147

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

محقق

سيد إبراهيم

الناشر

دار الحديث

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

مكان النشر

القاهرة - مصر

تصانيف

لِكَمَالِ عِلْمِهِ، وَقَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] لِعَظَمَتِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِمَا سِوَاهُ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ وَاسِعٌ ; فَيَرَى وَلَكِنْ لَا يُحَاطُ رَبُّهُ إِدْرَاكًا ; كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، فَيُرَى وَلَا يُحَاطُ بِهِ رُؤْيَةً، وَهَكَذَا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِإِثْبَاتِ جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ. [الفطرة والمعقول يثبتان صفات الله] وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ فِي فِطَرِ النَّاسِ، فَإِذَا قَالُوا: فُلَانٌ عَدِيمُ الْمِثْلِ، أَوْ قَدْ أَصْبَحَ وَلَا مِثْلَ لَهُ فِي النَّاسِ، أَوْ مَا لَهُ شَبِيهٌ وَلَا مَنْ يُكَافِيهِ، فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْمَجْدِ بِمَا لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَصَارَ وَاحِدًا فِي الْجِنْسِ لَا مَثِيلَ لَهُ، وَلَوْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نَفْيِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَجْدِهِ لَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ غَايَةَ الذَّمِّ وَالنَّقْصِ لَهُ، فَإِذَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ لَمْ يَشُكَّ عَاقِلٌ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ كَثْرَةَ أَوْصَافِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الَّتِي لَهَا حَقَائِقُ تُحْمَلُ عَلَيْهَا، فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ لِمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ وَلَا بَصَرَ وَلَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا لَهُ وَجْهٌ، وَلَا يَدٌ وَلَا قُوَّةٌ، وَلَا فَضِيلَةٌ مِنَ الْفَضَائِلِ: إِنَّهُ لَا شَبَهَ لَهُ وَلَا مِثْلَ لَهُ ; وَأَنَّهُ وَحِيدُ دَهْرِهِ وَفَرِيدُ عَصْرِهِ وَنَسِيجُ وَحْدِهِ؟ وَهَلْ فَطَرَ اللَّهُ الْأُمَمَ وَأَطْلَقَ أَلْسِنَتَهُمْ وَلُغَاتِهِمْ إِلَّا عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ؟ وَهَلْ كَانَ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ إِلَّا بِأَوْصَافِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى؟ وَإِلَّا فَمَاذَا يُثْنِي عَلَيْهِ الْمُثْنُونَ؟ وَلِأَيِّ شَيْءٍ يَقُولُ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِهِ: " «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» "؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الثَّنَاءَ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُحْصِيهِ لَوْ كَانَ بِالنَّفْيِ لَكَانَ هَؤُلَاءِ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُ وَأَشَدَّ إِحْصَاءً لَهُ، فَإِنَّهُمْ نَفَوْا عَنْهُ حَقَائِقَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ نَفْيًا مُفَصَّلًا، وَذَلِكَ يُحْصِيهِ الْمُحْصِي بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا تَعَبٍ، وَقَدْ فَصَّلَهُ النُّفَاةُ وَأَحْصَوْهُ وَحَصَرُوهُ، يُوَضِّحُهُ: الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ مَا يُنَاقِضُ الْإِثْبَاتَ وَيُضَادُّ ثُبُوتَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ فَلَمْ يَبْقَ الْأَمْرُ عَدَمِيًّا أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ، كَنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْحَيَاةِ وَالْقَيُّومِيَّةِ، وَنَفْيِ الْعُزُوبِ وَالْخَفَاءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَنَفْيِ الظُّلْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْغِنَى وَالْعَدْلِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالشَّفِيعِ الْمُتَقَدِّمِ بِالشَّفَاعَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْغِنَى وَالْقَهْرِ وَالْمِلْكِ، وَنَفْيِ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ وَالْكُفْءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ، وَنَفْيِ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ لَهُ وَإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ الْمُسْتَلْزِمَيْنِ لِعَدَمِ كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَسَعَتِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ الْحَاجَةِ وَالْأَكْلِ

1 / 162