هناك من يخلفه. وإن قيل إنه بعد موته لا يباشر معينا بالأمر بخلاف حياته قيل مباشرته بالأمر ليست شرطا في وجوب طاعته، بل تجب طاعته على من بلغه أمره ونهيه كما تجب طاعته على من سمع كلامه.
وقد كان يقول: ((ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع)) (1) وإن قيل إنه في حياته كان يقضي في قضايا معينة، مثل إعطاء شخص بعينه، وإقامة الحد على شخص بعينه، وتنفيذ جيش بعينه. قيل نعم وطاعته واجبة في نظير ذلك إلى يوم القيامة، بخلاف الأئمة. لكن قد يخفى الاستدلال على نظير ذلك كما يخفى العلم على من غاب عنه، فالشاهد أعلم بما قال وأفهم له من الغائب، وإن كان فيمن غاب وبلغ أمره من هو أوعى له من بعض السامعين، لكن هذا لتفاضل الناس في معرفة أمره ونهيه، لا لتفاضلهم في وجوب طاعته عليهم.
فما تجب طاعة ولي أمر بعده إلا كما تجب طاعة ولاة الأمور في حياته فطاعته شاملة لجميع العباد شمولا واحدا، وإن تنوعت خدمتهم في البلاغ والسماع والفهم، فهؤلاء يبلغهم من أمره ما لم يبلغ هؤلاء، وهؤلاء يسمعون من أمره ما لم يسمعه هؤلاء، وهؤلاء يفهمون من أمره ما لا يفهمه هؤلاء، وكل من أمر بما أمر به الرسول وجبت طاعته، طاعة لله ورسوله لا له.
وإذا كان للناس ولي أمر قادر ذو شوكة، فيأمر بما يأمر ويحكم بما يحكم، انتظم الأمر بذلك، ولم يجز أن يولى غيره، ولا يمكن بعده أن يكون
شخص واحد مثله، وإنما يوجد من هو أقرب إليه من غيره، فأحق الناس بخلافة نبوته أقربهم إلى الأمر بما يأمر به، والنهي عما نهى عنه، ولا يطاع أمره طاعة ظاهرة غالبة إلا بقدرة وسلطان يوجب الطاعة، كما لم يطع أمره في حياته طاعة ظاهرة غالبة حتى صار معه من يقاتل على طاعة أمره، فالدين كله طاعة لله ورسوله وطاعة الله ورسوله هي الدين كله فمن يطع الرسول فقد أطاع الله.
ودين المسلمين بعد موته طاعة الله ورسوله، وطاعتهم لولي الأمر فيما أمروا بطاعته فيه
صفحة ٣٦