251

مختصر منهاج القاصدين

محقق

شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط

الناشر

مكتبة دار البيان

سنة النشر

١٣٩٨ هجري

مكان النشر

دمشق

تصانيف

التصوف
الربع الرابع: ربع المنجيات كتاب التوبة وذكر شروطها وأركانها وما يتعلق بذلك
اعلم: أن الذنوب حجاب عن المحبوب، والانصراف عما يبعد عن المحبوب واجب.
وإنما يتم ذلك بالعلم والندم والعزم، فإنه متى لم يعلم أن الذنوب أسباب البعد عن المحبوب، لم يندم على الذنوب، ولم يتوجع بسبب سلوكه طريق البعد، وإذا لم يتوجع لم يرجع.
وقد أمر الله تعالى بالتوبة فقال: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَميعًا أَيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفْلِحُونِ﴾ [النور: ٣١] وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّها الذينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى الله تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ الآية [التحريم: ٨]. وقال: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ التَوَّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢].
وقال النبي ﷺ: "يا أيها الناس توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرَّة".
وفى "الصحيحين" من حديث ابن مسعود رضى الله عنه، أن رسول الله ﵌ قال: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دَوِّيةٍ (١) مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، عليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته".
والأحاديث في هذا كثيرة، والإجماع منعقد على وجوب التوبة، لأن الذنوب مهلكات مبعدات عن الله تعالى، فيجب الهرب منها على الفور.
والتوبة واجبة على الدوام، فإن الإنسان لا يخلو عن معصية، لو خلا عن معصية بالجوارح لم يخل عن الهم بالذنب بقلبه، وإن خلا عن ذلك، لم يخل عن وسواس

(١) الدو والدوي والدوية: الفلاة المستوية الواسعة البعيدة الأطراف، وربما قالوا: داوية

1 / 251