319

مختصر معارج القبول

الناشر

مكتبة الكوثر

رقم الإصدار

الخامسة

سنة النشر

١٤١٨ هـ

مكان النشر

الرياض

تصانيف

-فَإِنَّ رِوَايَةَ شَرِيكٍ فِيهَا أَوْهَامٌ كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ عَنْ أَنَسٍ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةِ مَوَاضِعَ سَرْدُهَا فِي الْفَتْحِ وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْمَعْنَى (١)، وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهَا. وَتَصْرِيحُ الْآيَةِ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بعبده﴾ (٢) شَامِلٌ لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ (٣) جَعَلَ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ ﷺ لِجِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى مُقَابِلًا لِرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ في الأبطح، وهي رؤيا عَيْنٍ حَقِيقَةً لَا مَنَامًا، وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ بِرُوحِهِ فِي الْمَنَامِ لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَةً ولا كان هناك معنى لتكذيب قريش بها وقولهم إنا نَضْرِبُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَهْرًا ذَهَابًا وَشَهْرًا إِيَابًا وَمُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسَرِيَ بِهِ إِلَيْهِ وَأَصْبَحَ فِينَا إِلَى آخِرِ تَكْذِيبِهِمْ واستهزائهم به ﷺ، فلو كان ذلك رؤيا منامًا لم يستعبدوه وَلَمْ يَكُنْ لِرَدِّهِمْ عَلَيْهِ مَعْنًى، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا يُكَذِّبُهُ أَحَدٌ اسْتِبْعَادًا لرؤياه.
-هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ ﷺ ربه؟ (٤):
روى البخاري ومسلم عن مسروق ﵀ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ ﵂: يَا أمَّتاه هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ ﷺ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: (لَقَدْ قَفَّ (٥) شَعْرِيَ مِمَّا

(١) ومنهم من يجعل هذا منامًا توطئة لما وقع بعد ذلك، وقد كان ﷺ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصبح كما في حديث بدء الوحي الذي سبق ذكره، انظر تفسير ابن كثير ج٣ ص٣.
(٢) الإسراء: ١.
(٣) النجم: ١٣، ١٤.
(٤) وانظر فتح الباري ج٨ ص٤٧٣، ٤٧٤ وفيه أن الرؤية المنفية رؤيته بصره لا بقلبه وبهذا يجمع بين الأقوال المختلفة عن الصحابة.
(٥) أي قام من الفزع لما حصل عندها من هيبة الله واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك، قال النضر بن شميل: القَفُّ بفتح القَّاف وتشديد الفاء كالقشعريرة، وأصله التقبض والاجتماع، لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر لذلك. فتح الباري ج٨ ص٤٧٣.

1 / 349