مختصر كتاب الاعتصام
الناشر
دار الهجرة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
تصانيف
الْإِطْلَاقِ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلى [إشكالين]:
[الأوَّل]: مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: «مَنْ سنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجورهم شَيْئًا، وَمَنْ سنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا (١) .
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ دلَّ على خير فله أجر فاعله» (٢) .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي أنَّ مَنْ سنَّ سُنَّةَ خيرٍ فَذَلِكَ خَيْرٌ، وَدَلَّ عَلَى أنَّه فِيمَنِ ابْتَدَعَ «مَنْ سَنَّ» فَنُسِبَ الِاسْتِنَانُ إِلَى المكلَّف دُونَ الشَّارِعِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ «مَنْ عَمِلَ سُنَّةً ثَابِتَةً فِي الشَّرْعِ» لَمَا قَالَ «مَنْ سَنَّ» وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تُقتل ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأنَّه أوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» (٣) فسنَّ - ها هنا - على حقيقته لأنَّه اخترع [مَا] لَمْ يَكُنْ قبلُ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ وُجُودِ آدَمَ ﵇.
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً» أَيْ مَنِ اختراعها مِنْ نَفْسِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أنْ تَكُونَ حَسَنَةً فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا ذُكِرَ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ: من عمل سُنَّةً ثابتةً.
(الثاني): أنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ ﵃ وَأَعْلَاهُمُ الصحابة - قد
_________
(١) [صحيح] سيأتي بتمامه قريبًا.
(٢) رواه مسلم (١٨٩٣) وغيره من حديث أبي مسعود الأنصاري ﵁.
(٣) رواه البخاري (٣٣٣٥، ٧٣٢١) ومسلم (١٦٧٧) من حديث عبد الله بن مسعود ﵁.
1 / 55