مختصر كتاب الاعتصام
الناشر
دار الهجرة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
تصانيف
فِيهِمْ تِلْكَ الشَّرِيعَةُ، حَتَّى إنَّ المُرْسَليِن بِهَا صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ أَحْكَامِهَا.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ مُخاطب بِهَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وتقلُّباته، مِمَّا اخْتُصَّ بِهِ دُونَ أُمَّته، أَوْ كَانَ عامًا له ولأُمته، كقوله تعالى: ﴿يَا أيُّهاالنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتِ أَزْوَاجِكَ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (١) .
فَالشَّرِيعَةُ هِيَ الْحَاكِمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ، عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ المكلَّفين، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمُوصِلُ وَالْهَادِي الْأَعْظَمُ.
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ، وَلكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عَبَادِنا﴾ (٢)؛ فَهُوَ ﵊ أوَّلُ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِالْكِتَابِ وَالْإِيمَانِ، ثُمَّ مَنِ اتَّبَعَهُ فِيهِ. وَالْكِتَابُ هُوَ الْهَادِي، وَالْوَحْيُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ مُرْشِدٌ ومُبَيِّنٌ لذلك الهدى والخلق مهتدون بالجميع.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَسَائِرُ الْخَلْقِ حَرِيُّون بِأَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ حُجَّةً حَاكِمَةً عَلَيْهِمْ وَمَنَارًا يَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الْحَقِّ، وشَرَفُهم إنَّما يَثْبُتُ بحسبِ مَا اتُّصِفوا بِهِ مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ أحكامِها والعملِ بِهَا قَوْلًا وَاعْتِقَادًا وَعَمَلًا، لَا بِحَسَبِ عُقُولِهِمْ فَقَطْ، وَلَا بِحَسَبِ شَرَفِهم فِي قَوْمِهِمْ فَقَطْ، لأنَّ اللهَ تَعَالَى إنَّما أَثْبَتَ الشَّرَفَ بالتقوى لا غيرها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (٣)؛ فَمَنْ كَانَ أَشَدَّ مُحَافَظَةً عَلَى اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالشَّرَفِ وَالْكَرَمِ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذلك
(١) التحريم: ١. (٢) الشورى: ٥٢. (٣) الحجرات: ١٣.
1 / 137