125

مختصر كتاب الاعتصام

الناشر

دار الهجرة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

تصانيف

إِنْفَاذَ الْوَعِيدِ ظَاهِرًا، وَيَبْقَى الْخُلُودُ وَعَدَمُهُ مَسْكُوتًا عَنْهُ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا أَرَدْنَا، إذِ الْوَعِيدُ بِالنَّارِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ تَبَايَنَا فِي التَّخْلِيدِ وَعَدَمِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
إنَّ هذه الأقوال مبنيَّة عَلَى أنَّ الْفِرَقَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْمُبْتَدِعَةُ فِي قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ عَلَى الْخُصُوصِ، كالجَبْريَّة، والقَدَرية، والمُرجئة، وغيرها.
واستدلَّ الطرطوشيُّ عَلَى أنَّ الْبِدَعَ لَا تختصُّ بالعقائد بما جاءَ عن الصحابة والتابعين وسائر الْعُلَمَاءُ مِنْ تَسْمِيَتِهِمُ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ بِدَعًا إِذَا خَالَفَتِ الشَّرِيعَةَ، ثُمَّ أَتَى بآثارٍ كَثِيرَةٍ كَالَّذِي رواه الْبُخَارِيِّ عَنْ أُم الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو الدرداء مُغْضَبًَا فقلت له: مالك؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْهُمْ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا» (١)، وَذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ فِي الْأَفْعَالِ قَدْ ظَهَرَتْ.
وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ مُجَاهِدٌ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مستندٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا ناسٌ فِي الْمَسْجِدِ يصلُّون الضُّحَى، فَقُلْنَا: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ (٢) .
قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ: فَحَمَلَهُ عِنْدَنَا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أنَّهم يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً، وإمَّا أَفْذَاذًا عَلَى هَيْئَةِ النَّوَافِلِ فِي أَعْقَابِ الْفَرَائِضِ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْبِدَعِ الْقَوْلِيَّةِ مِمَّا نَصَّ العلماءُ عَلَى أَنَّهَا بِدَعٌ، فصحَّ أنَّ البدع لا تختص بالعقائد. نعم ثَمَّ معنىً

(١) رواه البخاري (٦٥٠) .
(٢) رواه مسلم (١٢٥٥) .

1 / 124