102

مختصر كتاب الاعتصام

الناشر

دار الهجرة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

تصانيف

وَالثَّانِي: أَنْ يُلَائِمَ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى جِنْسٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ الْمُرْسَلُ، الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ (١) وَلَا بُدَّ مِنْ بَسْطِهِ بالأمثلة حتى يتبين وجهه بحول اللهِ. (المثال الأوَّل) أنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اتفقوا على جمع المصحف، وليس تَمَّ نصٌ عَلَى جَمْعِه وكَتْبِه أَيْضًا، بَلْ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَرُوي عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ قَالَ: أَرْسَلَ إليَّ أَبُو بَكْرٍ ﵁ مقتلَ (أَهْلِ) الْيَمَامَةِ، وَإِذَا عِنْدَهُ عُمَرُ ﵁، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (إنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ): إنَّ الْقَتْلَ قَدِ استحرَّ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وإنِّي أَخْشَى أَنْ يستحرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وإنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، «قَالَ»: فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ لِي: هُوَ - واللهِ - خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لَهُ، وَرَأَيْتُ فِيهِ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ «زَيْدٌ»: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّك رجلٌ شابٌ عاقلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَتَبْعَ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، قَالَ «زَيْدٌ»: فواللهِ لَوْ كلفَّوني نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عليَّ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ واللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ أبو بكر حتى شرح اللهُ صدري للذي شرح له صدورهما فتتبعت القرآن أجمعه من الرِّقَاعِ والعُسُبِ واللِّخَاف (٢)،وَمِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ (٣) فَهَذَا عَمَلٌ لم ينقل فيه

(١) إذًا المصالح المرسلة: هي المعنى الملائم لتصرفات الشرع الذي لم يأتِ دليلٌ معيَّن باعتباره ولا بالغائه. (٢) «العُسُب»: جمع عَسِيب، وهو سعفُ النخل، و«اللِّخَاف»: حجارة بيضاء رقيقة (٣) رواه البخاري (٤٦٧٩، ٧١٩١) .

1 / 101