فأما الفناء فمن أثبته معنى استدل عليه بأنه قد ثبت أن هذه الأجسام تفنى لدلالة السمع من الكتاب الكريم على ذلك وهو قوله تعالى ﴿هو الأول والآخر﴾. فكما أنه لم يصح كونه أولا إلا بأن لا يكون معه موجود سواه، فكذلك لا يصح كونه آخرا إلا بأن لا يبقى معه موجود سواه. وقد ثبت أن الآخرة باقية فلا بد من فناء يتخلل بين الدنيا والآخرة وبغير هذه من الآيات. فلما صح فناء الأجسام وثبت أنها تفنى مع الجواز لم يكن بد من أمر يؤثر في ذلك، وليس ذلك إلا وجود معنى هو ضد لها يسمى الفناء ولأنها أيضا، أعني الأجسام والجواهر، باقية. والباقي لا يعدم إلا بالضد أو ما يجري مجراه لما نعلمه b من أن الألوان وغيرها من سائر الباقيات لا تنتفي إلا بالضد أو ما يجري مجراه. وإنما وجب ذلك فيها لأنها باقية بدليل أنها لو لم تكن كذلك لما وجب ذلك فيها. ألا ترى أن الأصوات لما لم تكن باقية لم تحتج في انتفائها إلى ضدا أو ما يجري مجراه. فإذا كانت هذه الجواهر باقية وجب أن لا تنتفيى إلا بضد وهو الفناء. فإذا ثبت أنه أمر ثبت أنه عرض، إذ لا يجوز أن يكون متحيزا، وألا كان مثلا للأجسام والجواهر ومحال كونه مثلا لها وضدا لها. فصح أنه محدث غير متحيز، وهذا هو معنى العرض، ولم يجز وجوده في محل لمنافاته للأجسام ومحال اجتماع المتنافيين، فلم يصح حلوله في ضده لأن ذلك اجتماع الضدين، وذلك محال. ويجب أن لا يكون من الباقيات بل يكون مما يجب عدمه في الحال الثاني لأنه لو كان باقيا لما انتفى إلا بالضد وهو الجواهر فكان يجب أن يكون موجودا إلى أن يعيد الله الأجسام. وقد ثبت أن البارئ لا يصح كونه آخرا إلا بأن لا يكون معه موجودا سواه. تم ذلك
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم.
صفحة ١٤٥