216

المختصر في أخبار البشر

الناشر

المطبعة الحسينية المصرية

الإصدار

الأولى

تصانيف

التاريخ
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة، وسنة تسع وسبعين ومائة: فيها توفي مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث من ولد في الأصبح. ولذلك قيل له الأصبحي، وذو الأصبح اسمه الحارث بن عوف من ولد يعرب بن قحطان، وكان مولد الإِمام مالك المذكور سنة خمس وتسعين للهجرة، أخذ القراءة عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزهري، وأخذ العلم عن ربيعة الراي.
قال الشافعي ﵁: قال لي محمد بن الحسن، أيهما أعلم، صاحبنا أم صاحبكم، يعني أبا حنيفة ومالكًا.
قال: قلت على الإنصاف؟.
قال: نعم.
قال: قلت فأنشدك الله من أعلم بالقرآن، صاحبنا أو صاحبكم؟.
قال: اللهم صاحبكم.
قال: قلت فأنشدك الله من علم بالسنة؟ قال: اللهم صاحبكم.
قال: قلت فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله المتقدمين، صاحبنا أم صاحبكم؟.
قال: اللهم صاحبكم.
قال الشافعي: فلم يبق إِلا القياس، والقياس لا يكون إِلا على هذه الأشياء، وسعى بمالك إِلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، وهو ابن عم أبي جعفر المنصور وقالوا له: إِنه لا يرى الإِيمان ببيعتكم هذه بشيء، لأن يمين المكره ليست لازمة فغضب جعفر، ودعا بمالك وجرده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمرًا عظيمًا، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة.
وتوفي مالك المذكور بالمدينة ودفن بالبقيع، وكان شديد البياض إِلى الشقرة، طويلًا، وفيها توفي مسلم بن خالد الزنجي الفقيه المكي، وكان الشافعي قد صحبه قبل مالك وأخذ عنه الفقه، وكان أبيض مضربًا بحمرة. ولذلك قيل له الزنجي.
وفيها أعني في سنة تسع وسبعين ومائة، توفي السيد الحميري الشاعر، واسمه إِسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، والسيد لقب غلب عليه أكثر من الشعر، وكان شيعيًا كثيرًا الوقيعة في الصحابة، وكان كثير المدح لآل البيت، والهجو لعائشة أم المؤمنين ﵂، فمن ذلك قوله في مسيرها إِلى البصرة لقتال علي من قصيدة طويلة:
كأنها في فعلها حية ... تريد أن تأكل أولادها
وكذلك له فيها وفي حفصة أبيات؛ منها:
إِحداهما نمت عليه حديثه ... وبغت عليه بغية إِحداهما
ثم دخلت سنة ثمانين ومائهَ: فيها مات هشام بن عبد الرحمن بن معاوية ابن هشام بن عبد الملك صاحب الأندلس. وكانت إِمارته سبع سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام وعمره تسع وثلاثون سنة وأربعة أشهر، واستخلف بعده ابنه الحكم ابن هشام، ولما وليَ الحكم خرج عليه عمّاه، سليمان وعبد الله ابنا عبد الرحمن، وكانا في بر العدوة، فتحاربوا مدة والظفر للحكم، وظفر الحكم بعمه سليمان فقتله سنة أربع وثمانين ومائة، فخاف عمه عبد الله، وصالح الحكم سنة ست وثمانين، ولما اشتغل الحكم بقتال عميه، اغتنمت الفرنج الفرصة

2 / 14