ذلك، من تأويل الصفات وتحريفها، أو إمرارها والوقوف فيها، أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل. فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ ناطقة منبئة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية، وكذلك في الحرف والصوت.
ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء ويؤول النزول بنزول الأمر، ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين، ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم، وأمثال ذلك، ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بالأحرف بلا صوت، ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم!
وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها، قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين، لأني على مذهب الشافعي ﵁ عرفت فرائض ديني وأحكامه، فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي، ولي فيهم الاعتقاد التام، لفضلهم وعلمهم. ثم إني مع ذلك أجد في قبلي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها، وأجد الكدر والظلمة منها، وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها، فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره. المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره.
وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول، مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني، وأجد الرسول الله ﷺ قد صرح بها مخبرا عن ربه، واصفا له بها. وأعلم بالاضطرار أنه ﷺ كَانَ يحضر مجلسه الشريف العالم والجاهل، والذكي والبليد، والأعرابي والجافي، ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها، لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها، كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين، مثل تأويلهم الاستيلاء للاستواء، ونزول الأمر للنزول، وغير ذلك. ولم
1 / 27