تتسلط أشعة شمس العصر على غرفة المستشفى مباشرة مستقيمة من النافذة؛ ولذا تم إغلاق الستائر، مما جعل الغرفة غارقة في الظلام. ولكن رغم ذلك فقد الماء المثلج الموضوع بجوار الوسادة برودته، وانتشر عرق ضئيل فوق جبهة الدكتور بعد مسحه مباشرة.
الوجه المهيب الذي يوشك على الموت، مدفون داخل لحية كثيفة مخيفة. التجاعيد العميقة والأنف المتكبرة العالية والمآقي التي تشع ضوءا هافتا والغارقة في قاع محجري العين، هادئة كما لو كانت تقلصت تحت ضغط تضاريس الكرة الأرضية. أوضح جزء قد نقشت فيه بوادر الموت المقترب، هو اليد الموضوعة فوق الصدر. الأوردة التي فقدت قدرتها على المرونة، تجري في ظهر اليد في كل اتجاه. البشرة البيضاء ذات البقع الكثيرة، تتبع أثر تلك الأوردة، بلا أمل ولكن بمنتهى الدقة. تجعلك الأجزاء الداخلية لتلك اليد التي أصبحت هيكلا عظميا فقط، تعتقد أنها قد فقدت الحياة بالفعل. «أرني إياها مرة أخرى، دعني ألقي عليها كلمة الوداع مرة أخرى.»
قال الدكتور ذلك بصوت يخنقه البلغم ويصعب سماعه. ولكن الطبيب «ن» قد فهم ما يحاول الدكتور قوله حتى لو لم يقدر على سماع الكلمات.
وقف «ن» من على المقعد المجاور لفراش المرض. وذهب إلى القاعدة التي نقلت إلى جوار النافذة. أسفل القاعدة توجد عربة صغيرة بها أربع عجلات. وعند دفع التمثال تلف العجلات فوق السجادة وتتحرك العربة دون إصدار أي صوت. أزاح «ن» المقعد الذي كان يجلس عليه، وأوقف العربة مكانه. أدار الدكتور «ر» مقلتيه ونظر ناحية التمثال.
كان الذي يقف فوق القاعدة تمثالا لأفروديت من المرمر. اكتشف الدكتور هذا التمثال منذ عشر سنوات مضت عندما كان يقوم بأعمال استكشاف في إحدى ضواحي روما. كان ذلك الاكتشاف معجزة العصر الحديث. تم إيداع التمثال في متحف روما الوطني للفنون. خلال السنوات العشر تلك داوم الدكتور العجوز على التردد مرة كل أسبوع على متحف الفنون؛ لرؤية ذلك التمثال المرمري. وعندما علمت إدارة المتحف بخطورة حالته المرضية، قررت بصفة خاصة جدا حمل التمثال إلى غرفة الدكتور في المستشفى لجعله يودعه الوداع الأخير.
في وسط الأنوار الخافتة داخل الغرفة كان تمثال أفروديت يطفو في هيئة ضبابية بيضاء. باستثناء الذراع الأيمن المفقود، كان التمثال يمثل نموذجا مكتملا تماما. العيون كانت نصف مغمضة بدافع الحياء والخجل، ولكنها كانت تبدو كما لو أنها تنظر لأسفل بجفاء إلى الدكتور الراقد على فراش المرض.
مد الدكتور يده وقام بحركات متعجلة كأنه يقلب صفحة جسمه، ولأن الموت كان يسارع الخطى، فقد افتقد إلى سلوكياته الهادئة المعتاد عليها. وقال بصعوبة: «إلي بكتابي ... إلي بكتابي!»
التقط الدكتور «ن» كتابا مزينة أجزاء كبيرة منه بزخارف ذهبية من فن فلورانسا على جلد مغربي. «اقرأ من فضلك ... صفحة 170 ... بسرعة.»
بدأ الدكتور «ن» في القراءة بصوت يمتلئ حيوية وشبابا، بعد أن دفع بالصفحة المفتوحة من الكتاب إلى أسفل أشعة الشمس المتسربة من جوانب الشيش. - «... وهكذا الوصول إلى مرحلة الحديث عن أفروديتي يمثل لكاتب هذه السطور فرحة لا تعلوها فرحة. فهو بحق أحد أعظم الاكتشافات في القرن العشرين، والوحيد من أعمال العصر اليوناني القديم. ومن حيث منزلته الرائعة وسمو فنه، فإنه يشبه بأفروديت نيدوس.
1
صفحة غير معروفة