رد «ر»: «لقد كتب غوته رواية «آلام فرتر»؛ فأنقذته من الانتحار. أليس كذلك؟ ولكن حدث ذلك؛ لأن غوته كان يشعر من أعماق قلبه أنه لا الشعر ولا أي شيء آخر يمكن أن ينقذه. وليس أمامه سبيل آخر إلا الانتحار؛ لذا استطاع أن يكتب ذلك الشعر.» - «إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن لم ينتحر غوته إذا كانت كتابة الشعر والانتحار سيين؟ لماذا لم يختر الانتحار؟ هل عدم انتحاره يعني أن غوته كان جبانا؟ أم أن ذلك يعني أنه كان عبقريا؟» - «لأنه كان عبقريا.» - «إذا كان الأمر كذلك ...»
حاول الفتى أن يضغط على «ر» بسؤال آخر، ولكنه نفسه أصبح غير قادر على الفهم. لقد برزت فكرة ضبابية في ذهن الفتى وإن لم تكن واضحة تمام الوضوح، وهي أن نرجسية غوته هي التي أنقذته في النهاية. ولقد أحس الفتى برغبة قوية في الدفاع عن نفسه بهذه الفكرة. فلقد جرحت قلبه جرحا عميقا كلمة «ر»، عندما قال له: «أنت ما زلت صغيرا على فهم ذلك.» في هذا العمر تكون عقدة النقص تجاه الندية العمرية حادة للغاية، لم يقلها بفمه ولكن تولدت لدى الفتى نظرية رائعة هي الأكثر مناسبة للسخرية من «ر». «هذا الشخص ليس عبقريا. أجل ليس عبقريا؛ فهو يقع في براثن الحب!»
كان حب «ر» حبا حقيقيا بالتأكيد. حب لا يجب على العبقري الوقوع فيه أبدا. أخذ «ر» يحاول الاستدلال على معاناته بإعطاء أمثلة للتأكيد عليها من قصص حب عديدة ومتنوعة، مثل: حب الأميرة فوجيتسوبو والأمير غنجي، وحب بيلياس وميليساند، وحب تريستان وإيزولت، وحب الأميرة كليڤ ودوق نيمورس وغيرهم.
تعجب الفتى وهو يسمع اعتراف «ر» أنه ليس هناك أي عنصر مجهول له؛ فقد كتب كل شيء، وتوقع كل شيء، وتدرب على كل شيء. لقد ذهب «ر» للواقع بقدميه من أجل أن يرى حلما أكبر. وهذا ما لم يفهمه الفتى، ولم يفهم لماذا تتولد الرغبة لدى العبقري؛ لكي يفعل الشيء العادي؟
أثناء حديث «ر » بدا أن قلبه قد انفكت عقدته. فبدأ هذه المرة يتكلم بإسهاب، ويحكي له عن جمال محبوبته. على ما يبدو أنها ذات جمال رائع، ولكن لم يستطع الفتى تخيل شكلها إطلاقا. قال له «ر» إنه سيحضر له في المرة القادمة صورتها ويريه إياها. ثم بعد ذلك أنهى «ر» كلامه نهاية مؤثرة وهو يبدي خجلا قليلا: «كانت تقول لي إن جبهتي جميلة.»
نظر الفتى إلى جبهة «ر» التي ظهرت بعد أن رفع عنها مقدمة شعره. لمع سطح بشرة الجبهة الضخمة قليلا؛ بسبب الأشعة الضئيلة المتسربة من الخارج، ورسمت بشكل واضح قرنين كبيرين غير مرئيين. قال الفتى في نفسه: «يا لها من جبهة ضخمة!» ولكنه لم يشعر بأنها جميلة على الإطلاق «أنا أيضا ذو جبهة كبيرة، ولكن هذا يختلف عن وصفها بالجمال.»
وقتها استيقظت عيون الفتى على شيء مهم. ألا وهو الشوائب المضحكة التي تدخل بالضرورة في الوعي أثناء الحياة أو عند الحب. لقد رأى تلك الشوائب المضحكة التي ما كان يستطيع العيش بدونها وسط الحياة والحب. إنها الظن الخاطئ بجمال الجبهة الضخمة.
ربما كان الفتى كذلك يحمل داخله اعتقادا ما خاطئا شبيها بذلك، وإن كان في شكل أكثر معنويا وفكريا، وربما يواصل حياته مع هذا الاعتقاد «ربما أنا الآن على قيد الحياة.» هذه الفكرة كان بها ما يجعله يرتعد رعبا. - «في ماذا تفكر؟»
سأله «ر» بلطف كما هي عادته دائما.
عض الفتى شفته السفلى، ثم ضحك.
صفحة غير معروفة