أومأ الرجل مبتسما. وأحسست أنه يلاحظني في داخله بلا انقطاع من أجل أن يتعرف على أسراري، ولكن كما هو متوقع لم يبتعد حديثنا عن المرأة. وأحسست أنا بالخزي من ضعفي النفسي أكثر من كوني كرهته، وأخيرا لم أتحمل إلا أن أشعر بالاكتئاب.
وأخيرا بعد أن غادر ظللت كما أنا مستلقيا على السرير، وبدأت أقرأ رواية «ممر في الليل المظلم». كان الصراع النفسي الذي يعانيه البطل مؤلما لي بشدة من جوانبه جميعا، وعندما أقارن نفسي بذلك البطل، أحس إلى أي مدى أنا أحمق، وذرفت دمع العين في آخر الأمر. وفي نفس الوقت ألقت الدموع على روحي سلاما وسكينة، ولكن لم يستمر ذلك طويلا. بدأت عيني اليمنى تشعر بالتروس الشفافة مجددا كانت التروس كما هو متوقع تزيد من عددها مع الدوران. خفت من أن يبدأ الصداع، فتركت الكتاب عند الوسادة كما هو، وشربت منوم فيرونال 0,8 جرام، وقررت النوم نوما عميقا أيا كان الأمر.
ولكنني في الحلم كنت أتأمل مسبحا. كان عدد من الأطفال ذكورا وإناثا يسبحون ويغطسون في ذلك المسبح. مشيت إلى غابة الصنوبر التي تقع على الجهة المقابلة للمسبح. وعندها نادى علي أحدهم من الخلف قائلا: «أبي!» فالتفت للخلف، ووجدت زوجتي تقف أمام المسبح. وشعرت في نفس الوقت بندم شديد. «ألا تأخذ المنشفة؟» «لا حاجة بي إليها. انتبهي جيدا للأطفال.»
عدت مرة أخرى للمشي، ولكن فجأة تغير المكان الذي أمشي عليه إلى رصيف محطة. كان رصيفا يحيطه سور من الأشجار الفارعة ويبدو أنها محطة في الريف. كان يقف هناك «ه» الطالب الجامعي وامرأة أكبر سنا، وعندما رأى الاثنان وجهي، أقبلا تجاهي وتحدثا معي في وقت واحد. «كان حريقا هائلا.» «لقد هربت أنا أيضا بأعجوبة.»
شعرت أن تلك السيدة الأكبر سنا لها أثر في ذاكرتي. ليس هذا فقط، بل شعرت كذلك بإثارة ممتعة من الحديث معها. وعندها جاء القطار والدخان يرتفع منه ووقف بجانب الرصيف في هدوء. ركبت ذلك القطار بمفردي ، ومشيت في ممر عربات النوم التي يتدلى قماش أبيض على جانبيها. ثم رأيت في إحدى غرف النوم جسد امرأة قريبة الشبه بالمومياء ترقد نائمة على جانبها عارية ووجهها ناحيتي. وما من شك أنها أيضا إلهة الانتقام ... ابنة المجنون ...
تركت السرير سريعا دون وعي بمجرد أن فتحت عيني. كانت غرفتي بلا تغيير مضاءة بنور المصباح الكهربائي. ولكنني كنت أسمع رفرفة أجنحة وخشخشة فأر في مكان ما. فتحت الباب وخرجت للممر، وذهبت سريعا إلى مكان المدفأة السابقة. ثم وأنا جالس على المقعد، بدأت أتأمل الدخان المضطرب. وفي تلك اللحظة جاء عامل يرتدي ملابس بيضاء لكي يزود المدفأة بالحطب. «كم الساعة الآن؟» «الثالثة والنصف تقريبا.»
ولكن على الجهة الأخرى من بهو الاستقبال ثمة امرأة أمريكية على ما يبدو مستمرة في قراءة كتاب، وعلى ما يبدو لي من بعيد، لا شك أن تلك المرأة ترتدي رداء أخضر. شعرت بالنجاة إلى حد ما، فقررت الانتظار هنا حتى شروق الشمس. مثل العجوز الذي ينتظر الموت في هدوء بعد تحمله لعذاب المرض. (4) ليس بعد؟
انتهيت أخيرا من كتابة القصة القصيرة السابقة الذكر في غرفة الفندق، وقررت إرسالها إلى إحدى المجلات، في الأصل أجرة تلك القصة لا تكفي تكلفة إقامة أسبوع واحد بالفندق، ولكنني رضيت عن نفسي لانتهائي من العمل، وقررت الذهاب إلى إحدى مكتبات بيع الكتب في حي غينزا من أجل البحث على منشط للذهن.
يتدحرج ورق القمامة فوق الأسفلت التي تنصب عليه أشعة شمس الشتاء، ثم من خلال انعكاس الأشعة على ورق القمامة بدت جميعها تشبه الورود. أحسست بشعور مريح إلى حد ما وأنا أدخل مكتبة بيع الكتب تلك، فكان المحل أيضا أجمل مما هو عليه في المعتاد، ولكن ليس معنى ذلك نفي قلقي بشأن فتاة صغيرة تضع على عينيها نظارة طبية تتحدث مع البائع. ولكنني تذكرت زهور الورد الورقية التي كانت واقعة في الطريق، وقررت شراء «حوارات أناتولي فرانس» وكتاب «رسائل ميريميه».
حملت الكتابين، ودخلت أحد المقاهي، وقررت أن أجلس في آخر طاولة داخلية في المقهى أنتظر القهوة . يجلس أمامي رجل وامرأة يبدو أنهما أم وابنها، كان الابن أصغر مني عمرا ولكنه كان يشبهني تماما، ليس ذلك فقط بل كان الاثنان يتحدثان معا ووجهاهما قريبان كما لو كانا حبيبين، وأثناء ما كنت أتأملهما بدأت أشعر أنني أعي في داخلي أن ذلك الابن يعطي اكتفاء جنسيا لأمه، ولا شك أن ذلك كان أحد أمثلة التجاذب الاختياري التي أتذكر منها الكثير، وفي نفس الوقت، لا شك أنها أحد أمثلة الإرادة التي تحول هذه الدنيا إلى جحيم. ولكن ... خفت من أن أسقط في جحيم المعاناة، وكان ذلك لحسن الحظ وقت وصول القهوة، فبدأت في قراءة كتاب «رسائل ميريميه»، لمعت حكم حادة داخل رسائله مثلما يحدث في رواياته، وبدأت تلك الحكم تجعل مشاعري تتصلب سريعا. (كانت سهولة تأثري تلك إحدى نقاط ضعفي) فانتهيت من شرب كوب القهوة، وكان شعوري «فليأت ما يأتي» وتركت المقهى على عجل.
صفحة غير معروفة