إن لم تكن أوسوزو زوجة جوكيتشي في غرفة المعيشة، فهي في المطبخ الضيق تعمل مع الخادمة أوماتسو القادمة من إقليم شينشو، بالطبع كان جوكيتشي معتادا على غرفة المعيشة المرتبة لتبدو جميلة ونظيفة، بل إنه أكثر اعتيادا على المطبخ ذي الفرن الحديث من غرفة صهره أو غرفة حماته، إنه الابن الثاني لسياسي شهير وصل في فترة من حياته إلى منصب محافظ إقليم، ولكنه كان ذا موهبة قريبة من موهبة والدته التي كانت تكتب الشعر في ماضيها، أكثر من قربه إلى والده ذي الشخصية العظيمة والعبقرية الفائقة، ويتضح ذلك أيضا من عينيه الناعستين الودودتين وفكيه الناحلين. عندما يدخل جوكيتشي غرفة المعيشة تلك، بعد أن يستبدل ملابس يابانية تقليدية بملابسه الغربية، يجلس باسترخاء وراحة أمام مدفأة الفحم الطويلة، يدخن سيجارا رخيص الثمن، أو يسخر ويلعب مع ابنه الوحيد تاكيو الذي دخل هذا العام المدرسة الابتدائية. كان جوكيتشي دائما يتناول الطعام مع زوجته وتاكيو وهم يحيطون بالطبلية. تفيض وجباتهم بالحيوية، ولكن مؤخرا حتى مع قولنا «حيوية» إلا أنها بلا شك مملة كذلك إلى حد ما، وكان سبب ذلك فقط هو وجود الممرضة كونو المرافقة لغنكاكو، وبالطبع لم يتغير مزاح تاكيو بأدنى قدر حتى بعد مجيء «السيدة كونو». كلا بل ربما زاد مزاحه أكثر بسبب وجودها. كانت أوسوزو تقطب حاجبيها أحيانا وترمق تاكيو هذا بنظرات حادة، ولكن كان تاكيو في هذه الحالة لا يفعل إلا أن يقلب الأرز داخل الصحن بمبالغة متعمدة، وبسبب قراءة جوكيتشي للروايات كان يشعر «بذكورية» في مرح تاكيو، فيجعله ذلك يشعر بالاستياء، ولكنه كان في أغلب الأحيان يبتسم فقط ويتناول الطعام صامتا.
كان بيت غنكاكو الجبلي هادئا في الليل، ينام جوكيتشي وزوجته في العاشرة مساء، بالطبع كذلك يفعل تاكيو الذي يذهب إلى المدرسة في الصباح الباكر، وبعد ذلك، تظل الممرضة التي ترتدي ملابس النوم في حدود الساعة التاسعة هي فقط المستيقظة. تحمل كونو مجمرة الفحم ذات الاشتعال الأحمر إلى جوار فراش غنكاكو، وتجلس هناك دون أن يغمض لها جفن. ماذا عن غنكاكو؟ كان غنكاكو يستيقظ من حين لآخر، ولكنه كان لا ينبس ببنت شفة إلا أن يقول مثلا إن حاوية الماء الساخن التي تدفئه قد بردت، أو الكمادات قد يبست، وما يسمع في تلك الغرفة المنفصلة هو فقط صوت اهتزاز الخيزران في الحديقة. كانت كونو تفكر في أمور عديدة وهي تراقب بثبات غنكاكو وسط الهدوء البارد قليلا، تفكر في مشاعر أهل هذا البيت، وفي مصيرها هي نفسها ...
3
في ظهيرة أحد الأيام وقد ظهرت الشمس بعد سقوط الثلوج، ظهر وجه في مطبخ عائلة هوريكوشي هذا الذي ترى منه السماء الزرقاء عبر النافذة، امرأة في الرابعة أو الخامسة والعشرين من عمرها، تسحب طفلا نحيفا من يده، بالطبع لم يكن جوكيتشي في البيت. شعرت أوسوزو التي كانت في ذلك الوقت بالضبط تعمل على ماكينة الخياطة، بما يشبه الارتباك والحيرة قليلا، مع أنها توقعت ذلك، ولكنها على أي حال وقفت أمام مجمرة الفحم الطويلة واستقبلت المرأة. صعدت المرأة إلى المطبخ، ثم عدلت حذاءها وحذاء الطفل الصغير. (كان الطفل يلبس سترة بيضاء) ويتضح شعور المرأة بالدونية من خلال تلك اللفتة البسيطة، ولكن لا عجب من ذلك، فتلك المرأة هي أويوشي الخادمة التي اتخذها غنكاكو محظية علانية في بيت بطوكيو منذ خمس أو ست سنوات. عندما رأت أوسوزو وجه أويوشي، شعرت على عكس المتوقع أنها كبرت في السن، بل ولم يكن ذلك عبر الوجه فقط، لقد كانت يدا أويوشي سمينة قبل أربع أو خمس سنوات. ولكن، جعلها العمر نحيفة لدرجة أن عروق يديها نفرت. أحست أوسوزو ببؤس عائلي عندما رأت خاتمها الرخيص وما ترتديه من ملابس وزينة. «تفضلي! طلب مني أخي أن أعطيه إلى سيدي.»
أخيرا أخرجت أويوشي شيئا ملفوفا في ورق جرائد قديمة، وكأنها تتخوف من الأمر ووضعته في ركن المطبخ قبل أن تخطو بقدميها إلى غرفة المعيشة. أوماتسو التي كانت تغسل أواني الطعام منذ فترة وتنظر شزرا إلى أويوشي ذات الشعر الناضر الذي سرح على هيئة الفراشة وهي تحرك يديها بسرعة وعجلة. ولكن، عندما رأت لفافة ورق الجرائد تلك، زادت تعابير وجهها تلك بغضا وضغينة. لا ريب أن تلك اللفافة تفوح منها رائحة كريهة لا تتناسب مع الفرن الحديث ولا مع الأطباق الرقيقة الصغيرة. لم تر أويوشي وجه أوماتسو ولكنها شعرت على الأقل بتغير وجه أوسوزو بطريقة مريبة، ففسرت الأمر قائلة: «إنه ... هذا ثوم.» ثم بعد ذلك تحدثت إلى الطفل الذي كان يعض أصابعه قائلة: «هيا أيها السيد الصغير انحن بتحية اللقاء.» وبالطبع كان ذلك الطفل هو بونتارو الذي أنجبته أويوشي من غنكاكو. كانت أوسوزو تشعر بالأسى الشديد تجاه أويوشي لمناداتها لذلك الطفل بكلمة السيد الصغير، ولكن إحساس أوسوزو العقلي جعلها تعيد التفكير أن ذلك أمر لا حيلة فيه بالنسبة لامرأة مثل أويوشي. قدمت بملامح وجه تلقائية، الشاي والحلوى المتاحة للأم وابنها الجالسين في ركن من غرفة المعيشة، وهي تشرح لها حالة غنكاكو وتلاعب بونتارو في محاولة لتسليته.
بعد أن جعل غنكاكو من أويوشي محظية، كان يتردد بالضرورة على بيتها مرة أو مرتين في الأسبوع، بدون أن يبالي بأن يركب أكثر من خط لقطار الضواحي. في البداية شعرت أوسوزو بكراهية ورفض لسلوك والدها، وكانت تفكر مرات كثيرة قائلة: «أليس من الأفضل أن يفكر أبي في مشاعر أمي قبل ذلك؟» ولكن يبدو أن أوتوري من الأصل قد يئست من كل شيء تماما، إلا أن ذلك كان سببا في أن تشعر أوسوزو أكثر بالأسى على أمها، وحتى بعد أن يرحل والدها متجها إلى بيت محظيته، تكذب على أمها كذبا مفضوحا بقولها: «يبدو أن اليوم لديه اجتماع الشعراء.» حتى هي نفسها كانت تعرف أن مثل هذا الكذب لن يفيد، ولكن، من حين لآخر عندما ترى على وجه أمها ملامح قريبة من الابتسام البارد، تندم على كذبتها تلك ... بل كانت على العكس تميل إلى الإحساس بالشفقة نوعا ما تجاه أمها المشلولة التي لا تستطيع أن تشاطرها مشاعرها القلبية تلك.
بعد أن تودع أوسوزو والدها عند الباب، كانت يدها تتوقف عدة مرات عن العمل في ماكينة الخياطة لتفكر في أمر أسرتها. لم يكن غنكاكو بالنسبة لها «والدا عظيما» حتى قبل أن يبدأ علاقته مع أويوشي، ولكنها كانت لا تبالي بذلك بالطبع لأنها امرأة طيبة حنونة، ولكن ما أقلقها هو حمل والدها التحف واللوحات الثمينة واحدة بعد أخرى إلى بيت محظيته. لم تكن أوسوزو تعتقد أن أويوشي فتاة شريرة منذ كانت خادمة في البيت. كلا، بل على العكس كانت تراها أكثر حياء من الأخريات، ولكنها لم تكن تعلم ما الذي يخطط له شقيق أويوشي الذي يدير محلا لبيع الأسماك على أطراف مدينة طوكيو، وفي الواقع كان يبدو لها رجلا ذكيا ذكاء مريبا، وكانت أحيانا تمسك بجوكيتشي وتبثه مخاوفها تلك، ولكنه لم يعرها بالا. «من المستحيل أن أتحدث أنا لوالدي بهذا الأمر.» وعندما تسمع أويوشي منه ذلك، لا تجد بديلا عن الصمت.
وأحيانا كان جوكيتشي يتحدث مع أوتوري بلا هدف قائلا: «لا أعتقد أنه يظن أن أويوشي يمكنها أن تفهم لوحات لو ليان فينغ.»
1
نظرت أوتوري عاليا تجاه جوكيتشي، وقالت له بنفس ابتسامتها المريرة الدائمة: «هذه هي عقليته، إنه الذي يسألني أنا: «ما رأيك في تلك المحبرة التحفة؟»»
صفحة غير معروفة