هز غيل رئيس مصنع الزجاج رأسه وتحدث إلى بيب القاضي قائلا: «على أي حال لقد كان السيد توك أنانيا.»
ولكن لم يقل بيب شيئا، فقط أشعل النار في سيجارته ذات المبسم الذهبي. وعندها تشاك الذي كان جاثيا حتى الآن يفحص الجرح أعلن فجأة لنا نحن الخمسة: «كنا إنسانا واحدا هو أنا وأربعة كابا» بهيئة تليق جدا بطبيب. «نفذ الأمر. لقد كان السيد توك في الأصل مريضا بمرض معوي، لذا كان من السهل وقوعه في براثن الاكتئاب». «وماذا كان يكتب؟»
همس الفيلسوف ماغ بهذا السؤال محدثا نفسه وكأنه يدافع عنه، ثم أمسك بالورقة التي فوق المكتب. مددنا جميعا أعناقنا (أنا الوحيد الذي كنت استثناء)، وأخذنا نختلس النظر على الورقة من فوق كتف ماغ العريض. «حان وقت الرحيل، إلى الوادي الذي يفصلنا عنه عالم المعاناة.
إلى الوادي الذي يفوح فيه أريج زهور الأعشاب الطبية.
وتتجمع الصخور في واد ضيق وعر، ومياه الجبال الصافية.»
التفت ماغ ناحيتنا وقال ما يلي وعلى وجهه ابتسامة متكلفة: «إنها انتحال من أغنية «ميغنون
Mignon » لغوته، وهذا يعني أن السيد توك انتحر بسبب تعبه وإرهاقه من كونه شاعرا.»
وفجأة جاء الموسيقار كراباك راكبا سيارة، وعندما رأي كراباك ذلك المنظر وقف مذهولا لبعض الوقت عند الباب، ولكنه عندما اقترب من أمامنا، ثم تحدث إلى ماغ وكأنه يصرخ: «هل تلك هي وصية توك؟» «كلا، إنها آخر ما كتب من شعر.» «شعر؟»
وكما هو متوقع سلم ماغ الذي لم يندهش ولو قليلا، شعر توك إلى كراباك ذي الشعر المشعث. بدأ كراباك يقرأ مسودة ذلك الشعر بحماس بدون أن ينظر إلى المحيطين، بل إنه لم يجب على كلمات ماغ. «ما رأيك في موت توك؟» «في وقت الرحيل، ... حتى أنا لا أدري متى أموت! إلى الوادي الذي يفصلنا عن عالم المعاناة ...» «ألم تكن أحد أصدقاء توك المقربين؟» «مقربين؟ لقد كان توك في وحدة دائمة، إلى الوادي الذي يفصلنا عن عالم المعاناة ... ولكن كان توك لتعاسته ... الصخور وعرة ...» «لتعاسته؟» «مياه الجبال صافية ... إنكم سعداء ... الصخور وعرة ...»
ولأنني كنت متعاطفا مع أنثى الكابا التي ما زالت حتى ذلك الوقت لا تتوقف عن البكاء، لذا حضنت كتفها برقة وصحبتها لتجلس على أريكة في ركن الغرفة. كان هناك طفل كابا في عمر سنتين أو ثلاث سنوات يضحك وهو لا يدري شيئا مما يحدث، ولاطفت الطفل بدلا من الأنثى، وعندها شعرت في غفلة من الزمن أن الدموع تجمعت في عيني، وكانت تلك أول وآخر مرة أذرف فيها دموعي في الفترة التي قضيتها في بلاد الكابا. «إن هي الأسرة المسكينة هي ضحية العيش مع هذا الكابا الأناني .» «أجل فهو لم يفكر في عاقبة ما فعله.»
صفحة غير معروفة