ولقد حرصت على أن أنقل حديثه هذا بدقة متناهية، وإن وجد أحد لا يكتفي مما دونته هنا، فالأفضل الذهاب لزيارة مستشفى «س» للأمراض النفسية في قرية سوغامو خارج مدينة طوكيو. إن المريض رقم 23 الذي يبدو أصغر سنا من عمره الحقيقي، على الأرجح سيحني رأسه في أدب بالغ ويشير بيده إلى كرسي بلا وسادة للجلوس عليه، ثم بعد ذلك تبرز على فمه ابتسامة كئيبة، ويبدأ في تكرار هذه القصة بهدوء. وفي النهاية، أتذكر وجهه عندما انتهى من هذه القصة. في النهاية، وبمجرد أن ينهض بجسمه أخذ يلف قبضة يده ويصرخ بما يلي: «اخرج أيها الشرير! إنك حيوان أناني وأحمق وغيور وداعر وخبيث وغارق في الغرور وقاس، اخرج من هنا! أيها الشرير!»
1
في فصل الصيف منذ ثلاث سنوات، كنت على وشك الصعود إلى جبل هوتاكا من نزل في منطقة ينابيع كاميكوتشي وأنا أحمل خلف ظهري حقيبة ظهر عادية، وكما هو معلوم فما من طريق آخر لصعود جبل هوتاكا، إلا الصعود بمحاذاة نهر أزوسا إلى منابعه، ولأنني كنت قد صعدت من قبل جبل هوتاكا بالطبع وجبل ياريغاتاكه، ذهبت صاعدا إلى منابع نهر أزوسا دون دليل يرشدني وسط وادي أزوسا الذي يسقط عليه الضباب في الصباح الباكر، يتساقط الضباب على الوادي في الصباح، ولكن مهما مر من وقت لا يبدو منظر هذا الضباب أنه سيزول، ليس هذا فقط، بل على العكس كان يزداد عمقا وشدة. مشيت ساعة ثم فكرت في العودة إلى النزل في ينابيع كاميكوتشي، ولكن حتى أستطيع العودة إلى كاميكوتشي كان يجب انتظار زوال الضباب، ومع قول ذلك كان الضباب يزداد عمقا مع كل لحظة ولا يبدو أنه سيزول، فكرت «من الأفضل مواصلة الصعود» لذا مشيت وأنا أبعد أغصان الخيزران حريصا على ألا أبتعد عن وادي نهر أزوسا.
ولكن كان الضباب الكثيف يحجب الرؤية عن عيني، ولكن لم يعدم الأمر أحيانا من رؤية أغصان لأشجار الزان والشوح بأوراقها الخضراء تتدلى أمام عيني وسط الضباب، ثم بعد ذلك، ظهر أمام عيني فجأة وجوه أبقار وأحصنة تركت لترعى بحريتها، ولكنها بمجرد أن ظهرت داخل الضباب الكثيف اختفت فورا، وأثناء ذلك بدأت قدماي تتعبان، ومعدتي تشعر بالجوع، وعلاوة على ذلك لم تكن ملابس تسلق الجبل والبطانية التي اخترقها الضباب فتبللت بالثقل الطبيعي المعتاد. ولأنني قررت أخيرا التوقف عن العناد، لذا بدأت الهبوط إلى وادي نهر أزوسا معتمدا على خرير المياه التي تحثها الصخور على سرعة الجريان.
ثم جلست على صخرة على ضفاف النهر، وبدأت أتناول وجبة الطعام مؤقتا، فتحت علبة بلوبيف، وجمعت الأغصان الجافة، وأشعلت فيها النار، أثناء ما كنت أفعل ذلك مر عشر دقائق على الأرجح، وخلال تلك المدة انقشع الضباب الذي كان مشاكسا حتى النهاية، وأصبح الطقس صحوا في غفلة من الزمن. نظرت سريعا إلى ساعة يدي وأنا أقضم الخبز، كانت الساعة قد تخطت الواحدة وعشرين دقيقة، ولكن الذي أدهشني أكثر من ذلك، كان وجه مريب، يسقط ظله فوق زجاج ساعة اليد الدائري، اندهشت والتفت إلى الخلف، وعندها ... كان ذلك في الواقع أول مرة أرى فيها ما يطلق عليه حيوان الكابا، حيوان كابا كما يرسم في اللوحات يقف فوق الصخور خلفي، يمسك بإحدى يديه جذع شجرة قضبان بيضاء، ويضع اليد الأخرى فوق عينيه ليحميها من أشعة الضوء، وينظر إلي من عل كأنه ينظر إلى شيء نادر.
أصابني الذهول، وبقيت لبعض الوقت مبهوتا لا أتحرك، وبدا أن الكابا أيضا أصابته الدهشة، فلم تتحرك حتى يده التي فوق عينيه، وأثناء ذلك أسرعت بالنهوض واقفا، وقفزت مسرعا تجاه الكابا الذي فوق الصخور، وفي نفس اللحظة هرب الكابا. كلا، على الأرجح أنه بدأ الهروب. ففي الواقع أنه تفاداني بخفة ورشاقة، ثم اختفى فورا في مكان مجهول، وأخيرا أخذت أدور بعيني داخل الخيزران القصير، وأنا ما زلت مذهولا. فكان الكابا ينظر خلفه تجاهي على بعد مترين أو ثلاثة أمتار وقد جفل من الدهشة، وليس هذا أمرا عجيبا مطلقا، ولكن ما كنت أراه غير طبيعي ، هو لون جسم الكابا، كان لون جسم الكابا الذي رأيته فوق الصخرة كله بلون رمادي، ولكن تغير ذلك اللون تماما إلى الأخضر. رفعت صوتي بالصياح: «اللعنة!»، ثم قفزت مجددا تجاهه، بالطبع هرب. بعد ذلك ولمدة ثلاثين دقيقة، اخترقت الخيزران القصير وتخطيت الصخور، وظللت أطارده باندفاع.
سرعة أقدام الكابا لا تقل أبدا عن القرود. وأثناء مطاردته بانهماك كنت على وشك أن أفقد أثره عدة مرات، ليس هذا فقط، بل لقد انزلقت أقدامي وتدحرجت مرات عدة، وعندما أتيت حتى أسفل الأغصان الغليظة الممتدة لشجرة كستناء الفرس اليابانية، لحسن حظي أن بقرة أعاقت الكابا عن التقدم للأمام. كلا، بل كان ثورا ذا قرنين غليظين وينطلق الشرار من عينيه. عندما شاهد الكابا ذلك الثور، صرخ صرخة ما وهو يقفز داخل أجمة خيزران أطول من السابق وكأنه يتشقلب في الهواء، ثم لأنني أيضا اندهشت وفكرت أنني فشلت، طاردته بالقفز أنا أيضا داخل نفس الأجمة، وعلى الأرجح أن ذلك المكان كان به ثقب لم أكن أدري بوجوده، وعندما لمست أناملي ظهر الكابا الملس، سقطت على الفور متدحرجا بالمقلوب في وسط ظلام حالك وعميق، ولكننا نحن البشر في حالة وقوعنا في ورطة وأزمة شديدة، تفكر عقولنا في أمور لا تخطر على البال ولا على الخاطر، وفي اللحظة التي صرخت فيها قائلا: «آه!» تذكرت أن هناك جسرا بجوار نزل الينابيع في بلدة كاميكوتشي يدعى «جسر الكابا»، ثم بعد ذلك ... لا أتذكر شيئا مما حدث بعد ذلك، بل إنني بعد أن شعرت بحدوث ما يشبه الصاعقة أمام عيني، فقدت الوعي في غفلة من الزمن.
2
وعندما عاد إلي وعيي أخيرا، كنت راقدا على ظهري، محاطا بعدد كبير من حيوانات الكابا. ليس هذا فقط، بل كان منهم كابا يضع نظارة أنف فوق منقاره الغليظ، يكشف على صدري بسماعة طبية وهو يجثو على ركبتيه بجواري، وعندما رأى ذلك الكابا أنني فتحت عيني أشار لي بيده بما معناه «لا تتكلم»، ثم بعد ذلك تحدث إلى كابا خلفه بقوله
xQuax, qua . وعندها جاء من مكان ما حيوانا كابا يمشيان وهما يحملان نقالة مرضى، وضعت على تلك النقالة، وساروا بي في هدوء عدة مئات من الأمتار وسط حشد كبير من الكابا. كانت المدينة التي تتراص على جانبي يمينا ويسارا لا تختلف كثيرا عن شارع غينزا، كما هو متوقع فردت محلات متعددة مظلاتها تحت ظلال أشجار الزان المتراصة على جانبي الطريق، وفي الطريق الذي أحاطت به تلك الأشجار يسير عدد من السيارات.
صفحة غير معروفة