وافقتها السيدة إيفريت معلقة: «ذلك نفسه ما كنت أفكر فيه. أتصور أن قوى غريبة قد استحوذت علينا، ودفعتنا إلى التصريح بأفكارنا بصوت عال.»
قال القس ناثانيال مقرا: «أخشى أن الذنب في ذلك يقع علي.» ثم تابع قائلا: «لقد أضحى جو هذه الغرفة خانقا. ألا يستحسن أن نأوي إلى أسرتنا؟»
أصدر المصباح العتيق المتدلي من عارضة تلطخها آثار الدخان صوت قرقرة خافتة أشبه بنشيج، ثم انطفأ. وزحف ظل برج الكاتدرائية القديمة ممتدا عبر الغرفة التي لم يعد يضيئها سوى ضوء القمر المنسل بين الحين والآخر من وراء السحب. وعند الطرف الآخر من الطاولة كان يجلس رجل ضئيل الجسم، ذو وجه شاحب، وذقن حليق، مرتديا شعرا مستعارا ينسدل حتى كتفيه.
قال الرجل الضئيل: «عذرا.» كان يتحدث إنجليزية تشوبها لكنة ثقيلة. ثم أضاف: «يبدو لي أننا في موقف يشتمل على طرفين في وسع كل منهما تقديم العون للآخر.»
تبادل الأصدقاء الستة، المجتمعون حول الطاولة، النظرات ، لكن لم ينطق أحدهم بكلمة. كانت الفكرة التي خطرت ببال كل منهم، كما أوضح بعضهم لبعض لاحقا، أنهم قد حملوا الشموع التي تركها لهم صاحب النزل وصعدوا إلى غرفهم حيث خلدوا إلى النوم، دون أن يتذكروا قيامهم بذلك. وكان ما يرونه الآن هو حلم بكل تأكيد.
واصل الرجل الضئيل الشاحب الوجه حديثه قائلا: «إذا سمحتم لي بإعادتكم عشرين سنة إلى الوراء، فسوف يساعدني ذلك كثيرا في التجارب التي أجريها حول الظواهر المرتبطة بالميول البشرية.»
لم يرد أي منهم. وبدا لهم أن هذا السيد العجوز الضئيل الجسد لا بد أنه كان جالسا بينهم طيلة الوقت، دون أن يلاحظوا وجوده.
تابع الرجل الضئيل ذو الوجه الشاحب: «حسب حديثكم هذه الليلة، يفترض أن ترحبوا بعرضي. جميعكم تبدون لي في غاية الذكاء. وتدركون ما ارتكبتموه من أخطاء؛ وتتفهمون الأسباب التي دفعتكم إلى ارتكابها. لم يكن في وسعكم تجنبها؛ لأنكم لم يكن بوسعكم الاطلاع على المستقبل. ما أقترحه عليكم هو إعادتكم عشرين سنة إلى الوراء. سترجعون فتيانا وفتيات من جديد، ولن يختلف شيء سوى أمر واحد فقط: سوف تحتفظون بما عرفتموه عن المستقبل، عما حدث لكم تحديدا.»
ثم أردف مشجعا: «هيا، لا تترددوا، إنه أمر بسيط حقا. فمثلما أثبت ... أقصد مثلما أثبت أحد الفلاسفة بوضوح، العالم ليس سوى نتاج تصوراتنا. وعبر وسيلة قد تبدو لكم سحرا - رغم أنها مجرد عملية كيميائية - سوف أمحو من أذهانكم أحداث العشرين عاما الماضية كلها، باستثناء الأحداث التي تمس شخصياتكم فحسب. سوف تحتفظون بالمعرفة التي تخص التغيرات الجسمانية والعقلية التي يخبئها لكم المستقبل، ما عدا ذلك سوف ينمحي من أذهانكم.»
أخرج الرجل العجوز الضئيل قارورة صغيرة من جيب صدريته، ثم ملأ كأس نبيذ كبيرة من دورق النبيذ، وأضاف إليه نحو ست قطرات من القارورة. ووضع الكأس بعد ذلك في منتصف الطاولة.
صفحة غير معروفة