علق القس آرمتيدج مذكرا إياها: «كنا نحب بعضنا.»
ردت السيدة آرمتيدج: «أعرف أننا كنا نحب بعضنا، بشدة حينها، لكننا لم نعد كذلك الآن.» ثم ضحكت ضحكة قصيرة يشوبها قدر من المرارة. وأضافت: «مسكين ناث! أنا لست سوى ابتلاء آخر يضاف إلى فيض ما تعرضت له من ابتلاءات. فالمعتقدات التي تؤمن بها والمثل العليا التي تجلها تبدو لي بلا معنى؛ مجرد عقائد جامدة ضيقة الأفق، فكر خانق. نيلي كانت هي الزوجة التي ارتضتها لك الطبيعة حالما تبدد جمالها وتبددت معه جميع أفكارها الدنيوية. كان القدر يهيئها لك، ليتنا عرفنا. أما أنا، فكان سيناسبني أن أكون زوجة فنان، أو شاعر.» ودون وعي منها، ألقت عيناها القلقتان دوما نظرة خاطفة على حيث جلس هوراشيو كاملفورد، الذي كان ينفث في هواء الغرفة سحابات من الدخان، منبعثة من غليون مرشومي أسود ضخم. ثم استطردت: «أنا أنتمي إلى العالم البوهيمي. وما كنت لألقاه هناك من فقر ومعاناة كانا ليصيرا مصدر سعادتي. وتنفس الهواء المنعش في ذلك العالم، كان ليجعل الحياة تستحق أن تعاش.»
أرجع هوراشيو كاملفورد ظهره إلى الوراء بينما تركزت عيناه على سقف الغرفة المصنوع من خشب البلوط. ثم قال: «يخطئ الفنان عندما يتزوج.»
ضحكت السيدة كاملفورد الجميلة بروح مرحة. وعلقت: «الفنان، حسبما رأيته منه، ما كان ليعرف الطريقة الصحيحة لارتداء قميصه لو لم تكن زوجته موجودة لتخرج القميص من الدرج وتساعده في ارتدائه.»
رد زوجها: «إن ارتداء الفنان لقميصه بالمقلوب لم يكن ليحدث فارقا كبيرا في العالم. لكن العالم سيتأثر إذا ضحى بفنه في سبيل إعالة زوجته وأسرته.»
قال ديك إيفريت بصوته المبتهج: «حسنا، على أي حال، لا يبدو أنك ضحيت بالكثير يا صديقي.» ثم أضاف: «فالعالم كله يردد اسمك.»
رد الشاعر قائلا: «أبلغ من العمر واحدا وأربعين عاما، وقد انقضت أفضل سنوات عمري.» ثم أردف: «كرجل، أنا لست نادما على شيء في حياتي. لقد حظيت بزوجة من أفضل ما يكون ، ولدي أطفال رائعون. وقد عشت الحياة الهادئة للمواطن الناجح. لكن لو كنت قد استمعت إلى ما تمليه عليه ذاتي الحقيقية، لكان ينبغي علي الارتحال إلى البرية؛ فهي الوطن الوحيد للمعلم، أو النبي. جدير بالفنان أن يتزوج فنه. أما الزواج من امرأة فهو فعل لا أخلاقي بالنسبة إليه. إذا عاد بي الزمن، كنت سأظل عزبا.»
ضحكت السيدة كاملفورد قائلة: «إنه انتقام الزمن، كما ترى.» ثم أردفت: «عندما كان ذاك الرجل شابا في العشرين من عمره هدد بأنه سينتحر إذا لم أوافق على الزواج منه، وقد وافقت حينها رغم أنه لم يكن يعجبني بتاتا. والآن بعد انقضاء عشرين عاما، وما إن بدأت في الاعتياد عليه، يغير كلامه في هدوء ويقول إن حاله كانت ستصبح أفضل بدوني.»
تدخلت السيدة آرمتيدج معلقة: «لقد سمعت بعض أجزاء من تلك الحكاية وقتها.» ثم تابعت موجهة حديثها إلى السيدة كاملفورد: «كنت واقعة في غرام شخص آخر حينها، أليس كذلك؟»
ضحكت السيدة كاملفورد قائلة: «ألا تعتقدون أن هذه المحادثة تنساق نحو مسار خطر بعض الشيء؟»
صفحة غير معروفة