ويرى كوبز أن من العجائب أن كل أنثى في الفندق - ذات بعل، أو عزبة أو عذراء - صغت بقلبها إلى هذا الغلام لما سمعت قصته. وقد عانى كوبز جهدا جاهدا في صد هؤلاء النسوة عن اقتحام الغرفة واحتضان الغلام وتقبيله. وكن يخاطرن بحياتهن ويصعدن فوق الأشياء لينظرن إليه من وراء الزجاج. وكان سبعة منهن يتزاحمن على ثقب الباب لينظرن في وقت معا! فقد طارت عقولهن وفتنتهن جرأته.
وفي المساء دخل كوبز على الهاربين ليرى كيف حالهما. وكان الغلام على حافة النافذة، وبين ذراعيه فتاته. وكانت العبرات على خديها، ولكنها كانت متعبة وأقرب إلى النوم منها إلى اليقظة، ورأسها على كتفه.
وقال كوبز: «هل السيدة متعبة يا سيدي؟»
قال: «نعم، متعبة يا كوبز، فما اعتادت أن تنأى عن البيت، وقد عاودها الاكتئاب، فهل تستطيع أن تجيئني بمنعش؟»
فقال كوبز: «معذرة يا سيدي، ولكن ما تبغي؟»
قال: «شيء ينعشها، ويرد إليها روحها.»
فخرج كوبز ينشد المنعش المطلوب فلما عاد به، قدمه الغلام إلى الفتاة وأعانها، ولكن النعاس كان يثني رأسها ويثقله، فجعلها ذلك شكسة جافية. وقال كوبز: «ما قولك يا سيدي في شمعدان لغرفة النوم؟» فوافق، وسارت الخادمة في الطليعة، والفتاة في شملتها السماوية الزرقة بعدها، ووراءهما، وفي حراستهما هذا الغلام الشهم. وعانقها عند الباب، ثم ارتد إلى غرفته، فأوصدها عليه كوبز بخفة.
ولم يكن يسع كوبز إلا أن يزداد شعوره حدة بأنه غشاش وضيع، لما سأله الغلام في الصباح وهما يتناولان طعام الإفطار (وكانا قد أمرا أن يعد لهما لبنا وخبزا محمرا ومربى) عن الفرس، وكان يجد مشقة في النظر إليهما وهو يعلم كيف يخدعهما بالأباطيل، غير أنه واصل الكذب وأخبرهما أن من سوء الحظ أن القوم يقصون للفرس شعره، ولكنهم لم يقصوا سوى جانب، ولو خرج على هذه الصورة لأصابه سوء، ولكنهم سيفرغون من القص في هذا النهار، وفي الساعة الثامنة من صباح الغد تكون المركبة معدة. ومن رأي كوبز، وهو يحدثني بهذا في غرفتي، أن الفتاة بدأت في ذلك الوقت تتراجع وتندم؛ فقد نامت من غير أن يرجل لها شعرها، ولم تكن بحيث تستطيع هي أن تمتشط، وصار الشعر يدخل في عينيها فيغيظها ويحنقها، ولكن الغلام ظل ثابتا شديد القلب، وكان وهو جالس إلى المائدة وأمامه فنجان الشاي يلتهم المربى، فيخيل إليك أنه أبوه.
ويميل كوبز إلى الاعتقاد أنهما بعد الإفطار جعلا يتسليان برسم الجنود على الورق، فقد وجدت جنود كثيرة مصورة على الورق في الموقد، وكلها على ظهور الخيل. ودق هاري الجرس وسأل كوبز، وما أعجب ثباته: «أليس في جوار هذا المكان ميادين صالحة لأن يمشي فيها المرء؟»
قال كوبز: «نعم يا سيدي، طريق العشاق.»
صفحة غير معروفة