قال: «إذا وافقت على أن تترك هذه الغرفة على حالها، بما فيها من المتاع، فإني مستعد لنقص الإيجار إذا رضيت أن تدعنا نحتفظ بها كما هي.»
قال ذلك بلهجة المتوسل المتلهف، وزاد عليه: «إنك وحيد، ولا حاجة بك إلى هذه الغرفة، فإن ما يبقى من البيت فوق الكفاية ... أليس كذلك يا سيدي؟»
فوافقت، وقلت له إن في وسعه هو وامرأته أن يحتفظا بالغرفة إذا شاءا.
فقال: «شكرا لك، وستحفظ لك زوجتي هذا الجميل.»
وعدنا إلى الصمت فترة، قال بعدها: «أنت أول مستأجر لبيتنا، فما أجرناه لأحد من قبل.»
فسألته: «صحيح؟ منذ كم بنيتماه؟»
قال: «أنا بنيته، بنيته منذ خمس أو ست سنوات.» وأمسك ثم قال: «بنيته لبنتي.»
وخفت صوته وهو يقول ذلك، ووقع في نفسي أن هذه ليست سوى فاتحة لشيء يريد أن يفضي به إلي، فقلت أستحثه وأشجعه: «آه! صحيح؟»
فقال: «إنك ترى أي ناس نحن - زوجتي وأنا - فلاحان ... خشنان. ولكن ابنتي يا سيدي»، ووضع يده على ركبتي وحدق في وجهي، «ابنتي كالشفوف رقة.»
ورد عينه إلى حصانه، ولزم الصمت دقيقة أو اثنتين، ثم عاد يقول، وعينه على أذني حصانه لا يرفعها عنهما: «لم يكن في كل هذه الناحية سيدة أرق منها وألطف» - وكان يتكلم بسرعة وبصوت غليظ كأنما يحدث نفسه - «كانت جميلة، ومن أحلى خلق الله طباعا، ومن أحسن الناس تعليما. تربت في الدير، بروان، دير «القلب المقدس» ... ست سنوات قضتها في الدير تتعلم - من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة. وكانت تعرف الإنجليزية - لغتك يا سيدي ... ونالت جوائز في التاريخ وفي الموسيقى. ما من أحد يحسن العزف على البيانو كما تحسنه.» وسألني فجأة وبعنف: «فهل كان يليق بها كوخ ريفي ككوخنا؟» وأجاب عن سؤاله فقال: «كلا، يا سيدي! فما يجوز أن تلوث الثياب الرقيقة بوضعها في صندوق قذر. وقد كانت ابنتي سكب ماء من الرقة، وكانت يداها أنعم من مخمل «ليون» وآه! من حسن مشمهما! أعني يديها! لقد كان الطيب الذي أجده في يديها ينعشني. وكنت ألثمهما، وأشمهما كما تشم الزهرة.»
صفحة غير معروفة