وكان الشيك مصلبا، فأدرك المستر تمبرلي للمرة الأولى في حياته أن رسم صليب على شيك، قد يسبب لمن يحمله متاعب كثيرة، فكيف يصرفه؟ وإنه ليعرف أن صاحب البيت رجل ليس أسرع منه إلى إساءة الظن، وأخلق بأن يكون الرفض - مقرونا بالنظرة التي يحسن المستر سجز أن يحدج بها الإنسان - مهانة شديدة. ثم إن من المشكوك فيه جدا أن يستطيع المستر سجز أن ينتفع بهذا الشيك. فإلى من يتجه غيره؟ لا أحد في لندن كلها!
وحدث نفسه أن أول ما ينبغي أن يصنع هو أن يرد على رسالة المسز وير. فأضاء المصباح، وجلس إلى منضدة صغيرة، ولكنه غمس القلم في الدواة عدة مرات قبل أن يستطيع أن يكتب إليها شيئا.
عزيزتي المسز وير،
وتلت ذلك فترة توقف طويلة حتى بدا كأنه نام، ثم انتفض وانحنى مرة أخرى على الورقة.
أشكرك شكرا جزيلا على هذه الهبة الكريمة. وسيوزع المبلغ ... (وتوقف مرة أخرى دقائق عديدة).
على الوجه الذي أردته، وسأقدم لك بيانا مفصلا بوجوه إنفاقه.
ولم يسبق قط أن كابد مثل هذا العسر في الكتابة. وأحس أنه يسيء العبارة جدا، عما يريد، وكأنما عوق ذهنه عن الدوران شيء، ولم يستطع أن يتم الكتابة إلا بمجهود بدني كبير، فلما فعل خرج واشترى طابعا وألقى بالرد في صندوق البريد.
ولم ينم في ليلته تلك إلا غرارا، فما كاد يرقد حتى شرع يفكر في الأمر، وأين وكيف يجد هؤلاء الفقراء الحقيقين بأن يقتسموا هذه الهبة؟ ولم تكن له معرفة بالطبقة التي تعنيها المسز وير، وتتبرع لها. وصحيح أن الأسر التي حوله فقيرة كلها، ولكن هل للفقر عند هؤلاء نفس المعنى الذي يفهمه هو من اللفظ؟ وهل في هذا الشارع القذر من يحق له - بالقياس إليه هو - أن يدعى فقيرا؟ والمتعلم الذي يضطره انتقال الأحوال أن يعيش بين الطبقات الدنيا، تتكون له آراء غريبة. مثال ذلك أن المستر تمبرلي صار يعتقد أن ما يقال عما تقاسيه هذه الطبقات مبالغ فيه لأنه مقيس بمقياس غير صالح، وكان المستر تمبرلي يرى حوله عالما من المرح الصاخب، والعمل مع الرضى، وبلادة الحس. وكان يخيل إليه أنه في هذا الحي، هو الوحيد الذي يشعر بالفاقة وبألمها.
وتنبه من إغفاء كالكابوس، على خاطر جلي، وذكرى تشق رأسه شقا. إلى من يرجع «الفضل» فيما صار إليه من البؤس والفاقة بعد الرفاهة وخصب العيش؟ إلى والد المسز وير! وإذا نظر إلى الأمر من هذه الناحية ألا يكون له أن يعد الشيك ضربا من التعويض!
وأخذه النعاس لحظة، ثم أفاق وفي رأسه خاطر آخر غريب. أيمكن أن تكون المسز وير (وهي امرأة ذكية) قد شكت في أمره أو وقفت على حقيقته؟ ألا يجوز أن تكون قد أرادت فيما بينها وبين نفسها أن يأخذ هو المال الذي بعثت به.
صفحة غير معروفة