3
به التطريب والإشجاء، أو عمدت إلى تقليب حلقها في ضروب اللحن وأشكاله من خفيف أهزاجه وثقيل أرماله؟ •••
كنت أصحبه، رحمة الله عليه، نتمشى في أقطار الجزيرة، ننعم برياضها وجداولها، ونتفرج بين أدواحها وخمائلها، حتى إذا امتلأت عينه من نضير أنوارها، وأنفه من عبير أزهارها، وأذنه من هدير أطيارها، انطلق هو الآخر يتغنى بالبيتين أو الثلاثة من الشعر، وهنالك تتشابه علي صنعة الطبيعة وصنعة الشاعر، فما أدري أأرى زهرا من الشعر، أم أسمع شعرا من الزهر؟ وكذلك كان ينظم الشعر إسماعيل!
ينفض عليك إسماعيل هذا الشعر فلا ترى أنه جاءك بجديد عليك، وإنما جاءك بشيء متصل بحسك، قائم في قرارة نفسك، وهو لا يعتريك به من مخارج سمعك، وإنما يعتريك به من مداخل طبعك، حتى ليخيل إليك أنك أنت صاحب هذا القول دونه، فإذا كان له في الأمر فضل ففي أنه عرف كيف يتدسس إلى أطواء قلبك، فيجلو عليك ما أعيا تصويره على بيانك.
اللهم إن جهد شعر الشاعر أن يحرك في الناس ألوان العواطف، أما شعر هذا الرجل فإنه في ذاته عواطف تعتلج في السطور، كما تعتلج العواطف في الصدور، وإنه ليشعرك بما يجول فيه من رقة ورحمة، وبرحة هوى، وحرقة جوى حتى ليكاد يريك دمعة الثاكل، ويسمعك أنة المجروح!
فيا لله! ما أروع هذا الذي يقبض بيده على العواطف المترقرقة في الصدور، ثم يصوغها شعرا يقرؤه الناس! •••
وبعد، فإذا تسلل شعر صبري إلى حبة قلبك، وملك عليك منازع نفسك، وأشعرك من صور الجمال ما لا يشعرك كلام الناس، فلا تقل: أجاد صبري، ولكن قل: تبارك الله أحسن الخالقين!
شوقي1
سيداتي سادتي
في مثل هذا اليوم من عامين مضيا أذن مؤذن أن البلبل قد سكت بعد طول سجعه وتغريده، وأن الزهر قد ذبل بعد إشراقه وتوريده، وأن النجم قد هوى فلم يعد يتألق، وأن الغدير قد غاض وهيهات له بعد الآن أن يترقرق!
صفحة غير معروفة