وليس شوقي بالذي يستدل على مكانه بالبيت أو البيتين في القصيدة، أو بالقصيدة والقصيدتين في الديوان، بل إذا طلبت عليه دليلا فهذه دواوينه شق منها ما تشاء، وقع منها على ما تريد لك المصادفة، فلن تصيب إلا أرفع الشعر وأفخر الكلام. •••
وبعد، فلقد مات شوقي، وانحسمت جميع أسبابه من الدنيا، وفرغ من مودات الناس ومن عداواتهم، وأصبح شعره حبسا على التاريخ؛ فمن كان يرى حقا أن شوقي لم يبلغ هذه المنزلة، أو أنه لم يبلغ بعضها، أو أنه لم يكن شاعرا ألبتة، فهذا له رأيه، وعليه تبعته، ولا حيلة لنا ولا لغيرنا فيه، وأما من يقدر شوقي حق قدره، فينزله هذه المنزلة أو ما هو أقرب إليها، فمن واجب الذمة أن يشيد بقدره، ويدل على جلالة محله، لا قضاء لحق الإنصاف وحده، ولا أداء لشكر النعمة فحسب، فلقد كان شوقي نعمة عظمى أسبغها الله على أبناء العربية جميعا؛ بل لاستدراج نشء المتأدبين إلى استظهار شعره، وإنهالهم من أدبه، واتخاذه النموذج المحتذى إذا اجتمع أحدهم للبيان.
هذا واجب الذمة للحق وللبيان جميعا، وخاصة بعد هذا التبلبل الذي لا أحسب أن البيان العربي شهد مثله في أي عصر من عصور التاريخ، وحسبي هذا، فما أحب أن أقذف بنفسي في هذه الحرب الناشبة من أنصار قديم وأصحاب جديد!
الباب الثاني
فى الوصف
هو ...1
لا يشغل من هذا الفضاء حيزا كبيرا، فإنه دقيق الجرم، لطيف الحجم، يخيل إليك أنه لا يثبته لمهب الهواء إلا رجحان عقله ورسوخ عزمه، وإلا فلو قد خلي على هذا بينه وبين خفة روحه ورقة شمائله لاستحال معه نسمة من النسيم!
مهما يكرثه
2
من الأمر وتشط به صائلات الفكر، فإنه لا يطالعك إلا بوجه مبسوط لا أثر لعقدة فيه، بل لقد يقبل عليك فوق ذلك بالحديث الفكه ليؤنسك ويذهب وحشتك، ويفرخ روعك إذا كنت غير كفء لمجلسه، بل لقد يستدرجك إلى الحديث ويملي لك فيه،
صفحة غير معروفة