1
وقل مثل هذا في البدر إذا تألق، وفي الغدير إذا ترقرق، فإذا صدرت عنها روائع الآثار، فما كان المشي منها هوى فيه ولا خيار.
ومما يتصل بهذا المعنى ما زعمته في بعض مقامات الكلام
2
من أن من الشعراء، وأعني بهم بالضرورة من يستحقون هذا الاسم، من تتخطى شاعريتهم أفق مداركهم؛ فنراهم يصيبون من المعاني ما لا تتعلق به، في العادة، أذهانهم حتى لو راجعتهم في بعضها، وقد آبوا إلى أنفسهم، لاحتاجوا في تفهمها إلى مطاولة وجهد في الاستخبار!
ذلك بأنهم لم يصنعوا مثل ذلك الشعر صنعا، ولا جاءت روعته من التشمير في التجويد والافتنان، ولكنه فيض يفاض على الشاعر من عالم الغيب فيتحرك به لسانه، أو تجري به على الطرس بنانه، لا أقول نزل به جبريله ولكن وسوس به شيطانه!
ولعل هذا المعنى يفسر لنا ما كان يزعم العرب من أن لكل شاعر شيطانا يلهمه الشعر ويفيض به عليه، كأنه حين تعاظمهم أن يقع للشاعر من فنون المعاني ما لا يتسق في العادة لفكره، ولا يتعلق به ذهنه، راحوا يلتمسون المصدر من عالم الغيب، ويصلونه بما وراء آفاق الحس، ففرضوا لكل شاعر شيطانا يسدي بدائع الكلم إليه، ويفيض بروائع الحكم عليه! والله أعلم. •••
وبعد، فليس هناك شك في أن زعم العرب ذاك خرافة من الخرافة، ثم لقد ترانا من ناحية أخرى قد غلونا في توجيه كلمة «رسالة الفن» على المعنى الذي وجهنا، وأن أمرها أرفق من ذلك وأهون، وليكن لك في هذا من التقدير ما تحب، على ألا تبالغ في إرهاق الأفهام، ولا تغلو في النشوز على ذوق الكلام، فإنك مهما تجهد في الأمر وتتطلف في الاحتيال له لواجد للفن رسالة يريد، على أية صورة من الصور، وبأية كيفية من الكيفيات، تبليغها للناس، أو على الأقل لمن يجري منهم على عرق في ذلك الفن، وأن هذا الفن قد اصطفى من بين أهله فلانا ليبلغ رسالته ففعل.
ليكن لك ما تريد من تصوير الكيفية التي يحمل بها الفن أولئك المصطفين رسالته ، ويقتضيهم أداءها إلى من بعثوا فيهم من العالمين، فإنك على ألين تقدير لتجد الخطب جليلا كل جليل! •••
رسالة الفن! هذه لعمري كلمة إذا كان لها مدلول يتصل بالواقع، فمدلولها على كل حال غال ثمين، تالله ما كانت رسالة الفن - إذا حق أن يكون الفن رسالة - بالشيء المرتخص المبتذل في الأسواق يشتريه من شاء بأوكس الأثمان، ولا هو باللقى
صفحة غير معروفة