وأما القصص التمثيلي «الروايات المسرحية» فأول عهد العربية بها هذا العصر الحديث، وقد بدأت بالترجمة من لغات الغرب، وأول من عالج هذا في الأمم العربية إخواننا السوريون، لأنهم أول من عالج التمثيل المسرحي في أبناء العرب، وأول ما شهدت مصر التمثيل المسرحي، وكان ذلك في عصر إسماعيل، شهدته من فرقهم التي هبطت مصر في ذلك العهد واحدة بعد أخرى، على أن تخلفنا في هذا الباب عنهم يرجع إلى أسباب لا محل لها لذكرها في هذا المقام.
وإذا كانت مادة التمثيل إلى هذا الوقت هي ما يترجم إلى العربية من لغات الغرب، فإن كثيرا من أبناء العرب عالجوا بعد ذلك الوضع والتأليف، وكان من أسبقهم إلى هذا الشيخ نجيب الحداد وإسماعيل بك عاصم.
ولقد كثر في هذا الوقت الذي نعيش فيه واضعو القصص التمثيلية؛ على أنها في جوهرها وغاياتها ومغازيها وسائر أسبابها لم تبلغ مبلغ الروايات الغربية.
وأخيرا تقدم أمير الشعراء أحمد شوقي بك، فنظم روايتين «كيلوبترا وعنترة»
2
فأوفى الشعر فيهما على الغاية.
وكلتا القصتين تاريخية، إذا رمت إلى غرض فلا شأن لنا به، ولا دخل لعيشنا الحاضر فيه!
وهنا ينبغي لنا ألا نغفل أن مؤلفي روايات الريحاني والكسار ومن ينحون نحوهما في أسلوبهما التمثيلي يعرضون لنواح من الحياة المصرية، ولكن على سبيل التهكم عليها والزراية بها، في أساليب رشيقة طلية، طلبا لإضحاك النظارة والتسلية عنهم؛ فإذا كان لشيء منها مغزى بعد ذلك، فهو مغزى ضئيل لا يتسق لما نخوض إليه من جسام المطالب، هذا إلى أنها كلها تفرغ في لغة عامية بحت، فهي ليست من الأدب الذي نعنيه في كثير ولا قليل.
وبعد، أفلا يمكن أن يستشرف الأمل إلى أن يخرج فينا مؤلفون مسرحيون يضارعون كتاب الغرب في سبك رواياتهم، وإمعانهم في التحليل بطريق التخييل والتمثيل، وإصابة الأغراض البعيدة وتجليتها على النظارة بطريق التلويح لا بالمواجهة والتصريح؟ فذلك الأشحذ للأذهان، وذلك الأبلغ موقعا من النفوس، بحيث يكون موضوع هذه الروايات مصريا بحتا يصيب من عاداتنا، ويحلل جوانب من حياتنا، ويهدينا في بعض أسبابنا السبيل.
ألا ليس ذلك على الله بعزيز!
صفحة غير معروفة