وغير ذلك كثير.
ولا والله ما أرمي ملحني العصر بالقصور عن معالجة هذا، بل لقد تهيأ لي أن أسمع موشحات قيمة من تلحين بعض المعاصرين، ولكن ما كان الأمر إلى ملحن يقدر أو لا يقدر، إن مرد الأمر كله إلى هوى الجمهور، وإن شئنا تعبيرا أدق، قلنا إن ذلك إنما يرجع إلى هذا التطور الذي يتناول أسباب الحياة جميعا.
سيداتي، سادتي
أما نصيب «الدور» من هذا التطور، فهو على أنه ما زال ينظمه الناظمون، ويلحنه الملحنون، ويغني في قديمه وحديثه المغنون، إنني أراه - على هذا كله - قد أنشأ يتقلص ويذوي غصنه، ويهون خطبه، ويدبر حظه، ولقد جعل «المونولوج» يدافعه شيئا فشيئا، ويحتل مكانه رويدا رويدا، ولا أحسب أن الزمن سيطول حتى يصبح شأن «الدور» كشأن الموشحة، إن دخلا في الغناء والتطريب، فعلى أنهما فنان تقليديان فحسب، صنع من يبني في هذا العصر داره أو بعض داره على طراز عربي أو فرعوني مثلا، وأكبر الحظ في مثل هذا إنما هو التلميح والأغراب!
وهذا «المونولوج» ضرب من النظم لا أحسبه كان معروفا في الغناء القديم، أو على الأقل إنه لم يكن شائعا فيه، ويلحق بهذا «المونولوج» «الديالوج» وهو ما يتطارح الغناء فيه اثنان، و«التريالوج» وهو ما يتعاون الغناء فيه ثلاثة، وواضح أن هذا الأسلوب الغنائي مما نضح به علينا الغرب في هذا العصر الحديث.
سيداتي ، سادتي
هنالك ضروب أخرى من التطور في أسباب الغناء المصري ألخص أهمها تلخيصا رفيقا: (1)
لقد كانت «الأدوار» والموالي في الجملة، أقوى عبارة، وأدق صياغة، وأحكم نسجا، وما لها لا تكون، والذي يتولى نظمها هم السابقون الأوالي من أمثال الشيخ علي الليثي، وإسماعيل باشا صبري، والشيخ الدرويش، ومصطفى بك نجيب، ومحمود أفندي واصف، ولداتهم من أئمة الأدب وأعيان البيان؟
ولست بهذا أذهب - لا سمح الله - إلى القول بأن أدباءنا اليوم قاصرون عن الإتيان بمثل هذا أو بما هو خير منه، بل الواقع أن هذه الفنون أصبحت في تقلصها وإدبارها، فلم يبق لها من جلالة الشأن ما يستدرج أعيان البيان لمعاناتها وعلاجها! (2)
شيوع المرارة والألم في أناظيم الغناء الحديثة، حتى لا نكاد نسمع منها إلا الأنين والزفير، والصراخ والعويل، ولا تكاد ترى فيها - لو تمثلت لك خلقا يرى - إلا الدمع السائل، واللون الحائل، ولدم الصدور، وشد الشعور، والتقوض على الأعتاب، وتمريغ الخدود في التراب، وغير أولئك من ألوان الذلة والهوان والعذاب!
صفحة غير معروفة