بنفسه ، وأنزله في القلعة في المكان الذي كان الإمام المستنصر بالله نازلا فيه . وكان وصوله في التاسع من رجب ، ووصل صحبته من عرب خفاجة قريب خمسين فارسا . وشق المدينة لابسا شعار بني العباس ، وطلع القلعة راكبا . وفي ثالث عشر رجب ، أحضر السلطان الفقهاء والأئمة والعلماء والأمراء والصوفية وجمع الناس بقاعة العمد . وحضر السلطان والخليفة . وتأدب السلطان معه في الجلوس ، فلم يفرش له طراحة ، ولاحط له كرسي ولا منبر . وبايعة السلطان على كتاب الله وسنة رسول الله ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، وأخذ أموال الله بحقها وصرفها في مستحقها . ثم قلد الخليفة السلطان البلاد الإسلامية وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار . ثم بايعه الناس على اختلاف طبقاتهم . وكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له ، وأن يخطب باسمه على المنابر ، وتنقش السكة باسمه . وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب ، خطب الخليفة بالناس في جامع القلعة ، ونثرت جمل من الذهب والفضة . وفي يوم الاثنين رابع شعبان ، ركب السلطان إلى البستان الكبير ، وقد ضربت به الخيام . وحملت الخلع حبة الأمير مظهر الدين وشاح الخفاجي ، وخادم الخليفة . ولبس السلطان عمامة سوداء مذهبة ، وراعة بنفسجية وطوقا . وتقلد سيفين ، وحملت خلفه عدة سيوف ، ولواءان وسهمان كبيران وترس ، وغير ذلك مما جرت به العادة . وقدم له فرس أشهب برقبة سوداء وكنبوش أسود فركبه . وخلع على الأمراء وعلى قاضي القضاة ، وعلى الصاحب بهاء الدين ، وعلى صاحب ديوان الإنشاء فخر الدين بن لقمان ، فإنه أنشأ التقليد الشريف ، وطلع على المنبر قد جلل بالأطلس الأصفر . وقرأه على الناس كافة . ولما ركب السلطان من البستان المذكور شق المدينة بعد أن ينت ، وبسط له أكثر الطريق ثيابا فاخرة . ثم إن السلطان استخدم للخليفة ، فكتب للأمير سابق الدين بوزبا أتابك العسكر بألف فارس ، والطواشي بهاء الدين صندل الشرايي بخمسمائة فارس ، والأمير ناصر الدين بن صيرم الخزندار بمائتي فارس ، والأمير نجم الدين أستاذ الدار بخمسمائة فارس ، وسيف الدين بلبان الشمسي الدوادار بخمسمائة فارس . وأمر جماعة من العربان بالطبلخانات : واشترى له مائة مملوك جمدارية وسلحدارية . وأعطى كلا منهم ثلاثة أرؤس خيلا وجملا لعدته . واستخدم له من يحتاج إليه من أصحاب الدواوين وكتاب الإنشاء والأئمة والغلمان والحكماء والجراحية . وكمل له البيوت والخيول والجنائب والأسلحة وغيرها .
صفحة ١٧