في أشباهها من الآي التي يحتج بها أهل الإثبات على أهل القدر، فقالوا: ما تأويل هذه الآي عندكم، إن كان الأمر على ما تقولون: إن للعباد في إيمانهم وكفرهم ضلالتهم وهدايتهم حكما؟ فنقول لهم: شأنكم والقدرية بهذه الآيات التي تلوتموها وسألتمونا عن معناها، فهم الزاعمون أن ليس لله في فعل العباد مما يفعله بقلبه، و ما يكون من فعله بسمعه وبصره، وسائر ذلك من جوارحه من تدبير ولا تقدير، وليس في جميع ما يكون منه من ذلك حكم، ولا له عليه ملك ولا سلطان، وإن ذلك غير مضاف إلى الله، ولا منسوب إليه بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب، وكذلك قوله: )يضل من يشاء ويهدي من يشاء( في أمثالها، فإنما تسألون عن ذلك، وتحتجون به على أهل الإزالة الذين لا يضيفون إلى الله هدايتهم ولا ضلالتهم، ولا شيئا من أفعالهم بوجه من الوجوه، ولا معنى من المعاني، وأما من يقول: بأن الله ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، وطبع عليها بكفرهم الذي اكتسبوه واختاروه، فجعل الكفر في نفسه خاتما وطابعا على قلوبهم، حيث خلقه في عينه خلافا لعين الإيمان ومضادا له، فهما لا يجتمعان في قلب، ولا في سمع، ولا في بصر، ولا في جارحة، فاختيار الكافر الكفر هو المانع له، والطابع على قلبه، والخاتم على سمعه وبصره، حتى لا يكون يفعل ضده من الإيمان في حال فعله الكفر، وأضاف الله ذلك إلى نفسه فقال: (طبع الله على قلبه، وختم على سمعه، وجعل على بصره غشاوة، إذ جعل كفره في عينه كفرا مخالفا للإيمان، مضادا له منافرا معه، لا يقاومه ولا يجتمعان في قلب، ولا في سمع، ولا في بصر، ولا في حاجة).
صفحة ٩١