وقد يقول الرجل: لعبده لا جاء الله بك ولا ذهب بك، وليس يريد أن لله في نفسه ذهابا ومجيئا، فعلى هذا المعنى قال الله: {وقال ربك} وقد نقول: الآخرة آتية وجائية، والدنيا ذاهبة وفانية وماضية، وإنما نعني أنها فانية، ليس أنها تخرج من مكان إلى مكان، وكذلك إذا قلنا: الآخرة جائية، وليس نريد أنها تخرج من مكان إلى مكان، وقد قال: {وجيء يومئذ بجهنم} (¬1) ليس يريد أن جهنم تحمل وترفع من مكان إلى مكان، وإنما يريد أنها حاضرة موجودة، وهذا بحمد الله واضح، وكذلك روي في التفسير عن الكلبي (¬2) عن أبي صالح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: {وجاء ربك} (¬3) أي جاء أمر ربك وقضاؤه، وكذلك في قوله: {أن يأتيهم الله} (¬4) أي أن يأتيهم أمره وقضاؤه (¬5)
¬__________
(¬1) سورة الفجر آية رقم 23.
(¬2) هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي، أو النضر، نسابة، راوية، عالم بالتفسير والأخبار، وأيام العرب، من أهل الكوفة، مولده ووفاته بها عام 46ه، صنف كتابا في التفسير، وهو ضعيف الحديث. قال النسائي: حدث عنه ثقات الناس، ورضوه في التفسير، وأما الحديث ففيه مناكير، وقيل: كان سبئيا، وهو أبو هشام صاحب كتاب الأصنام. راجع تهذيب التهذيب 9: 178، ووفيات الأعيان 1: 493، وميزان الاعتدال 3: 61.
(¬3) سورة الفجر آية رقم 22.
(¬4) سورة البقرة آية رقم 210.
(¬5) يقول الإمام الطبري عند تفسيره لهذه الآية: وقال آخرون معنى قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} يعني به هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله، كما يقال: قد خشينا أن يأتينا بنو أمية، يراد به: حكمهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: هل ينظرون إلا أن يأتيهم ثوابه وحسابه وعذابه، كما قال عز وجل: {بل مكر الليل والنهار} سورة سبأ 33، وكما يقال: قطع الوالي اللص أو ضربه وإنما قطعه أعوانه، والله أعلم.
صفحة ١٣٣