يوحنا فم الذهب
ولد بأنطاكية نحو سنة 347، ومات أبوه وهو حدث فربته أمه خير تربية، ودرس الفصاحة والخطابة على ليبانيوس الأنطاكي المار ذكره، ثم عكف على درس الشريعة فنبغ، ولم تكن العلوم العالمية تلذ له فتفرغ لدرس الأسفار المقدسة والعلوم البيعية، ثم اعتزل العالم منفردا في أحد جبال سورية وهناك كتب كتابه في سيرة النساك، وعاد إلى أنطاكية سنة 381، فرقاه القديس ملاتيوس بطريركها إلى درجة الكهنوت سنة 385، وعهد إليه أن يخطب في الكنائس، فطارت شهرة فصاحته وألقى حينئذ كثيرا من خطبه، وكتب كثيرا من مقالاته البليغة، ولما توفي نقطار بطريرك القسطنطينية أجمع الملك أركاديوس والمنتخبون على انتخابه، فاستدعاه الملك ورقي إلى كرسي القسطنطينية سنة 398، وطفق يجاهد في إتمام فروض مقامه غير مراع في ذلك كبيرا أو غنيا أو صاحب سلطة، وكان يقرع أصحاب الخصال الذميمة أيا كانوا؛ فكثر مبغضوه ومخالفوه، وقطع كثيرين من شركة الكنيسة لأسباب متنوعة، فتآمروا عليه واستعانوا بالملكة أودكسية وهي مستاءة من خطب فم الذهب في ذم النساء وبهرجهن وإسرافهن، وقد شبهها بإحدى خطبه بإيزابل فاستاء الملك أيضا، ودعا بعض الأساقفة وأمر بنفي فم الذهب، على أنه لم يبق منفيا إلا يوما واحدا؛ لأن الشعب أكثر في الهياج، وحدث في الليل زلزال قوض كثيرا من أبنية المدينة، وغرفة الملك نفسها فارتاعت الملكة، وسألته أن يستدعي فم الذهب للحال، فبالغ الشعب بالاحتفاء بعوده وسأل هو الملك أن يستدعي أساقفة أكثر من الأولين للحكم بدعواه، فحكموا ببراءة ساحته وأن لا عبرة لشيء مما جرى قبلا ...
وكان من بعد ذلك أن أقيم تمثال لأودكسية الملكة على باب الندوة، وبجانب كنيسة أجيا صوفيا، وجاوز الشعب حدود الأدب بالرقص والغناء والملاهي، وشكا فم الذهب من ذلك بخطبة ندد بها بالعاملين والآمرين فحنقت أودكسية، ولم يجبن فم الذهب بل ألقى خطبة أخرى قال فيها: عادت هيرودية ترقص حنقة متطلبة رأس يوحنا، وجمع الملك كثيرا من الأساقفة وأكثرهم من خصوم فم الذهب، فحملوا الملك الضعيف على إبعاده من كرسيه، فأمر بإبعاده وحال دون ذلك مقاومة الشعب العنيفة، ومحالفة اثنين وأربعين أسقفا، إلى أن انسل البطريرك خفية وسار مع مفوض الملك إلى نيقية، ثم إلى أرمينية ثم إلى شواطئ البحر الأسود، حيث توفي سنة 407، ونقلت جثته في أيام الملك تاودوسيوس بن أركاديوس إلى القسطنطينية ووضعت مع ذخائر الرسل، وانتصر له الحبر الروماني بعد وفاته كما انتصر له بحياته آمرا أن يذكر بالتكريم، وأن يرد الأساقفة المنفيين بسبب دعواه.
وأما تآليفه فكثيرة منها مقالات وافرة العدد في العقائد الدينية، وكتب في تفسير أكثر الأسفار المقدسة، وكتاب في الكهنوت وآخر في سيرة النساك، وخطب ومواعظ في مواضيع كثيرة ورسائل إلى كثيرين منها رسالة إلى القديس مارون ونافور للقداس بالسريانية، وله ستة كتب في الرد على اليهود إلى غير ذلك.
وكان في سورية أساقفة آخرون كثيرون مشهورون بعضهم كاثوليكي، وبعضهم أريوسي، أضربنا عن ذكرهم رغبة في الإيجاز وليطالع من شاء عدد 581 في المجلد الرابع من تاريخ سورية. (3) في بعض من اشتهر من القديسين بسورية في هذا القرن
القديس جيورجيوس
ذهب بعضهم أنه ولد باللد في جهة حيفا، وذهب غيرهم أنه ولد بالكبادوك وبعد وفاة والده مضت به أمه إلى فلسطين، وكان أبوه من رؤساء الجند في أيام ديوكلتيان، وخلف أباه في منصبه، وبعثت مجاهرته بالدين المسيحي ديوكلتيان إلى أن ينزل به أعذبة أليمة كثيرة، وأمر أخيرا بقطع رأسه، ويصوره المصورون فارسا ضاربا تنينا برمح لينجي بنتا، فذلك رمز إلى مناصبته الوثنيين ومدافعة عن المسيحيين، وعبادته منتشرة في المشرق والمغرب عند النصارى والمسلمين الذين يسمونه الخضر.
القديسان سرجيوس وبكخوس
الراجح أن سرجيوس كان من رصافة بين تدمر والفرات، وبكخوس من بربليس بسورية الشمالية، وكانا من فرسان الجيش الروماني في أيام الملك مكسيمينيان، وجاهرا بمعتقدهما فتملقهما أولا ثم هددهما، ثم أرسلهما إلى والي المشرق فعذبهما، ومات بكخوس بنثر لحمانه بالجلد، وسرجيوس بقطع رأسه سنة 306، وعبادتهما منتشرة في المشرق منذ القرن الرابع، كما يظهر من الكنائس المنشأة على اسمهما.
القديس إيلاريون
صفحة غير معروفة