فأرسل الباي يستقدمه إليه على سفينة حربية، فأقام بتونس يدون جريدة الرائد التونسي، وولاه الباي أحسن منصب، فأسلم وسمى نفسه أحمد فارس الشدياق، ثم طلبه السلطان عبد المجيد خان إلى الأستانة، فقدم إليها وتولى تصحيح الطباعة العامرة سنين، وفي سنة 1861 أنشأ جريدة الجوائب الشهيرة وأجاد في إنشائها وسبكها، وما زال عاكفا على التأليف والتصنيف إلى آخر حياته التي انقضت سنة 1887، ودفن في الحازمية على مقربة من الحدث موطنه.
أما مؤلفاته فمنها سر الليال في القلب والإبدال، وهو كتاب في اللغة قصد به بيان مدلولات الأسماء والأفعال من قلبها، أو تبديل بعض حروفها، واستدرك ما فات صاحب القاموس من لفظ أو مثل، وطبع كتابه هذا بالأستانة سنة 1284ه، ثم كتابه الجاسوس على القاموس انتقد به الفيروزبادي في قاموسه المحيط، ومنها كتاب كشف المخبا عن أحوال أوروبا، والواسطة في أحوال مالطة، واللفيف في كل معنى ظريف، وغنية الطالب ومنية الراغب في التصريف والنحو، والباكورة الشهية في نحو اللغة الإنكليزية، والسند الراوي في الصرف الفرنساوي، وله كتاب آخر وسمه بالساق على الساق في ما هو الفرياق ... وليته لم يكتب هذا الكتاب؛ لأنه ضمنه ألفاظا وحكايات تجاوزت حدود الأدب، ويأبى الأديب مطالعته، ولم يكن من المفيد في هذا الكتاب إلا جمع الألفاظ المترادفة، ومجموعات أسماء كل موضوع على حدة كأسماء الآلات والمأكولات إلخ.
الكونت رشيد الدحداح:
هو ابن الشيخ غالب بن سلوم الدحداح، ولد بعرمون سنة 1813، ودخل مدرسة عين ورقة فدرس بها أصول العربية والإيطالية، ثم مدرسة بزمار فأتقن اللغة التركية. وفي سنة 1838 أدخله الأمير أمين ابن الأمير بشير في كتبة ديوان أبيه فأقام هناك سنتين، ولما تولى عمر باشا لبنان سنة 1842 قرب إليه الشيخ رشيد وولاه نظارة البكاليك بلبنان، فلم يمكث طويلا إلا وكان ما دفعه إلى ترك هذه النظارة، وظهر بين الساعين بنصب الأمير أسعد قعدان شهاب واليا على لبنان، وعين مديرا لأعماله سنة 1843، ولما لم يقبل عمر باشا تولية الأمير أسعد تشتت شملهم، وفر الشيخ رشيد إلى صيدا وانصب هناك على درس الفقه، ثم أخذه الشيخ مرعي الدحداح إلى مرسيليا، وجعله كاتبا في محل تجارته وزوجه بابنته مرتا. وفي سنة 1852 ترك محل تجارة عمه، وأنشأ محلا تجاريا في فرنسا ثم محلا في إنكلترا، وعكف في آونة الفراغ على التأليف والتصنيف، فطبع سنة 1849 قاموس المطران جرمانس فرحات، وهذبه وزاد عليه وسمى كتابه أحكام باب الإعراب عن لغة الأعراب، وطبع ديوان الشيخ عمر بن الفارض مع شرحين له لعبد الغني النابلسي وحسن البوريدي ، ثم أنشأ في باريس جريدته المشهورة برجيس باريس، وأنيس الجليس وله فيها المقالات الخطيرة الرنانة، ونشر أيضا مجموعة أشعار حكمية لأشهر شعراء العرب سماها طرب المسامع في الكلام الجامع، وتقرب إلى سمو باي تونس، وكان ترجمانا له عند زيارته إفرنسة وسعى له بقرض، فتكرم عليه بمبلغ عظيم، وفي سنة 1864 عاد إلى إفرنسة، وتوطن بريس وزار رومة سنة 1867، فأنعم عليه البابا بيوس التاسع بلقب كونت روماني، وفي سنة 1875 اشترى بلدة دينار على شاطئ بحر المانش، وأجال فيها يد العمارة وأوصل إليها السكة الحديدية، وزادت قيمتها على أثمانها أضعافا، وصارت ثروة طائلة، ومن منشوراته ومؤلفاته كتاب فقه اللغة لأبي منصور الثعالبي، طبعه في بريس سنة 1861، وله كتاب عنوانه قمطرة الطوامير ضمنه مقالات أدبية، وفوائد لغوية، وله كتاب كبير في عدة مجلدات لم يطبع سماه السيار المشرق في بوار المشرق تكلم فيه في العرب، ومن تنصر منهم ومناظرات مع علماء التفسير من المسلمين، وكلام في ما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه، وله رسالة في المناظرات عنونها ترويح البال في القلم والمال، وأدركته المنية سنة 1889.
إبراهيم بك النجار:
هو ابن خليل النجار من دير القمر، ولد بها سنة 1822 ودرس الطب في مدرسة قصر العيني في مصر، وحاز قصبات السبق بين أقرانه، ولما نال الشهادة المعتادة سنة 1842 سار إلى أزمير، ثم إلى الأستانة ليرى من ربي بنعمة الأمير بشير الشهابي، وتوفق هناك ببعض عمليات جراحية، وتقرب من بعض رجال الدولة، وأتقن اللغتين التركية والإفرنسية وأنعمت عليه الحضرة السلطانية برتبة سر هزار أي: رئيس ألف، وصدرت الإرادة السنية بأن يكون طبيبا أولا للعساكر ببيروت، فاشتهر بصناعته وحسن صفاته وفصاحة لسانه، وله من التآليف كتاب مصباح الساري ونزهة القاري، طبعه ببيروت سنة 1858 تكلم فيه عن أسفاره والسلاطين العثمانيين إلى السلطان عبد المجيد خان، وله أيضا كتاب سماه هدية الأحباب وهداية الطلاب، تكلم فيه في بعض مبادئ الطبيعيات، وتوفي بعد سنة 1860.
ومن المشاهير غير السوريين الذين كانوا في هذا العصر:
عبد الله الشرقاوي المصري :
له تآليف أشهرها تحفة الناظرين في من ولي مصر من الولاة والسلاطين طبعت في مصر سنة 1281ه، وله أيضا حاشية على شرح محمد منصور الهدهدي لرسالة السنوسي في التوحيد، طبعت في القاهرة سنة 1810، وله أيضا شرح على كتاب الحكم في التصوف لابن عبد الله القشعري، وتوفي سنة 1812.
عبد الرحمن الجبرتي الحنفي المصري:
صفحة غير معروفة