وفي سنة 1532 قصد عبد الساتر الكردي حاكم البترون أن يعصي الأمير منصور، فأرسل الأمير أربعين رجلا قتلوه وألحقوا به أباه، ونصب مكانه يوسف بن شكيبان الحصاراتي وصرفه في بلاد البترون، ويظهر أنه كان مارونيا ثم قتل الأمير منصور حاكم جبيل لخيانة أبداها، ونصب مكانه أبناء الحسامي.
وفي سنة 1533 كانت منازعة بين مالك شيخ العاقورة من اليمنية وهاشم العجمي عامل بلاد جبيل المذكور من القيسية، فكبس مالك جبة المنيطرة وأحرقها فاتفق أهلها مع القيسية الذين كانوا في العاقورة، وكمنوا لمالك في طريق الجرد وقتلوه، فرفع حنش وحرفوش أخواه الشكوى إلى نائب دمشق، فكتب إلى الأمير منصور أن يقبض على القاتلين ويرسلهم إليه، فأمر الأمير عبد المنعم المذكور أن يقتل ابن عمه هاشم، ففر هاشم وتتبعه عبد المنعم مع أخوي مالك ولجأ هاشم إلى الأمراء الحرافشة، فنهب عبد المنعم لاسا وأحرقها مع غيرها من قرى المنيطرة، وخاف القيسية الذين بالعاقورة وهربوا إلى نواحي أطرابلس فنهب عبد المنعم بيوتهم وأحرقها، وخلت العاقورة من السكان واستوحش الأمير منصور من عبد المنعم، ودرى هو بذلك فراسل الحرافشة بقتل هاشم وتعهد لهم بقتل الأمير منصور وتسليمهم ولايته، فقتل الحرافشة هاشم فوق الكرك ببلاد بعلبك، وطرحوا جثته في بئر يسمى اليوم بئر هاشم، وأما عبد المنعم فأخذ يكيد على أبناء حبيش توسلا لغرضه إهلاك الأمير منصور فأخبر أبناء حبيش الأمير بدخيلته، فأباحهم اغتياله فوثبوا عليه في داره وقتلوه مع بعض أنسبائه فطاب قلب الأمير، فأقام أبناء حبيش على تدبير شئون حكومته.
وكان من سكان العاقورة الشيخ أيوب وأخوه فضول ابنا الشماس توما، ولما ارتحل أهل العاقورة اليمنية منهم إلى دمشق والقيسية إلى أطرابلس سكناهما عند دير مار إذنه كرسي أسقف العاقورة، ثم أخذا أمرا من نائب دمشق بتعمير قريتهما وإرجاع سكانها إليها، فعمرت بعد خرابها سبع سنين وأخذ فضول المشيخة عليها ... وكان لأيوب ابن اسمه هاشم هو أصل المشائخ بني الهاشم على الأصح، وفي سنة 1541 ائتمر المقدم ميخائيل المتكلم على زوق ميكائيل وأولاد حنش أمراء فتقا على قتل الأمير منصور، وساروا إلى غزير فرحب بهم وبسط لهم سماطا ليتغذوا وأمر رجاله فقتلوهم. (3) في ما كان بسورية في أيام السلطانين سليم الثاني ومراد الثالث
توفي السلطان سليمان الأول سنة 1564، وخلفه ابنه السلطان سليم الثاني، وأهم الأحداث بسورية في أيامه فتحه قبرس، ففي سنة 1570 جهز أسطولا كبيرا وعسكرا كثيفا لأخذ هذه الجزيرة من البنادقة، فأخذوا الملاحة أولا ثم حاصروا الأفقسية ودام الحصار نحو ستة أشهر، ثم حاصروا الماغوصة ودام الحصار نحو سنة ولم تفتح إلا في 6 آب سنة 1571، فسلم أهلها وسائر سكان الجزيرة، وكان من قتلوا بهذه الحرب نحو خمسين ألفا، ومن أسروا مائة وثمانين ألفا، وقتل من الموارنة نحو ثلاثين ألفا، وبقيت هذه الجزيرة خاضعة للدولة العلية واحتلها الإنكليز سنة 1878.
وفي أيام السلطان سليم هذا انبسطت ولاية الأمير منصور عساف من نهر الكلب إلى حمص وحماة بمقتضى براءة سلطانية، وكان ينصب العمال في هذه النواحي وأنشأ له دارا ببيروت وأخرى بجبيل وسراي بغزير وبنى بجانبها جامعا ومئذنة وحماما وجنة فسيحة، وأجرى الماء إلى غزير من نبع المغارة وتوفي السلطان سليم سنة 1574.
وخلفه ابنه السلطان مراد تلك السنة، وكان في أيامه سنة 1576 زلزال عظيم في جزيرة قبرس استمر ساعتين، وخربت به أبنية كثيرة، وحدث سنة 1579 طاعون مات به كثيرون، وقحط حتى بيع شنبل القمح في جهات أطرابلس بمائة وخمسين قرشا، وفي هذه السنة شكا البعض الأمير عساف إلى الباب العالي بقتله ابن شعيب حاكم أطرابلس وأمراء فتقا وعبد الساتر كما مر، فأمر السلطان أن يكون والي أطرابلس باشا؛ لكسر شوكة بني عساف، وولى عليها يوسف باشا ابن سيفا التركماني، فاضطهد أتباع الأمير منصور فهرب الشدياق خاطر الحصروني مقدم جبة بشري إلى بعلبك، والمقدم مقلد إلى ناحية الشوف فمات هناك ... لكن يوسف باشا استدعى المقدم خاطر وأمنه ورده إلى ولايته وأشرك معه فيها الشدياق باخوس بن صادر الحدشيتي، وتوفي الأمير منصور سنة 1580 وخلفه ابنه محمد في ولاية غزير.
وفي سنة 1584 نهب بعض الأردياء مال الخزينة السلطانية من حامليه في جون عكار، فصدر الأمر إلى جعفر باشا والي أطرابلس أن يجمع العسكر من حمص إلى صيدا، ويصادر يوسف باشا بن سيفا الذي كان قد عزل عن أطرابلس وأقام بعكار، فنهب العسكر قرى عكار وأحرق كثيرا منها، وشكا جعفر باشا الأمير محمد عساف والي غزير وأمراء بلاد الدروز بأنهم هم الذين نهبوا الخزينة، فصدر الأمر إلى إبراهيم باشا والي مصر أن يجمع العساكر من مصر والشام، فجمعها وقطع طريق الساحل وطريق البقاع على الدروز، فحضر إليه بعض أمراء غرب بيروت، والأمير محمد عساف واستسلموا إليه، وهرب الأمير قرقماس معن واختبأ بمغارة في ناحية جزين، فأصابه مرض مات به ... ولما بلغ إبراهيم باشا انهزام قرقماس سار في عسكره إلى عين صوفر ودعا إليه عقال الدروز، فحضروا وقتل منهم خمسمائة رجل ثم سار إلى أطرابلس، ثم إلى الأستانة ومعه الأمراء الذين استسلموا إليه فأكرمهم السلطان، وقرر كل منهم في بلاده فعادوا إلى وطنهم شاكرين، وقدم الأمير محمد عساف الشيخ أبا قانصوه محمد بن حمادة، ووهبه دارا في غزير وكان للأمير قرقماس معن ولدان فخر الدين ويونس أرسلتهما والدتهما بعد موت أبيهما إلى الشيخ أبي صقر إبراهيم بن الشيخ سركيس الخازن الذي ارتحل من جاج إلى كسروان سنة 1545، فخباهما عنده ولما صفا كأس السياسة رجعا إلى خالهما الأمير سيف الدين التنوخي بأعبيه، ووليا بعد ذلك بلاد الشوف كما كان أبوهما.
وفي سنة 1590 خرج الأمير محمد عساف لمقاتلة يوسف باشا سيفا بعكار، فجمع يوسف باشا عسكره وكمن للأمير محمد بين البترون وعقبة المسيلحة، فقتله وبدد عسكره، ولم يكن للأمير محمد ولد فانقرضت به حكومة بني عساف الذين كانوا حكاما بكسروان، وسكنوا غزير منذ سنة 1306، واستولى يوسف باشا على أملاكهم وأموالهم، وتزوج أرملة الأمير محمد وقبض على سليمان ومنصور حبيش مدبري حكومته وقتلهما وأقام مكانهما أبناء حمادة، فانتقلوا مع يوسف باشا إلى أطرابلس ووجس هو منهم، فألقى الفتنة بينهم وبين المستريحية الذين كانوا بجبة المنيطرة، فقتل قانصوه حمادة أناسا منهم في أطرابلس، وفي كفر حلدا وصعد بعسكر إلى المنيطرة يريد إهلاك جميعهم، فقتل وحملته جماعته إلى كفتين ودفنوه بها وتوفي السلطان مراد الثالث سنة 1594. (4) في ما كان بسورية في أيام السلطان محمد الثالث
بعد وفاة السلطان مراد الثالث خلفه ابنه السلطان محمد الثالث، ومما كان في أيامه بسورية وقعة نهر الكلب بين الأمير فخر الدين بن معن ويوسف باشا ابن سيفا سنة 1598 بسبب الولاية على كسروان، ودارت الدوائر فيها على يوسف باشا وقتل ابن أخيه الأمير علي وتشتت عسكره، فتولى فخر الدين بيروت وكسروان، ولكن لم يستمر على ولايتهما إلا سنة واحدة وتركها ليوسف باشا، وعاد إلى ولايته بالشوف.
وفشا في هذا القرن استعمال التبغ في سورية ومصر، وفي سنة 1602 كبس الأمير موسى بن الحرفوش مع جماعته جبة بشري، فنهبوا البيوت والماشية وكان أهل الجبة بالساحل، فجمع يوسف باشا بن سيفا جنوده، وأهل الناحية نحو خمسة آلاف رجل، وكبس مدينة بعلبك فهرب أهلها فنهبوا أموالهم وقتلوا من أدركوه منهم، وتحصن بعض الحرافشة بالقلعة مع كثير من الأهلين، فحاصرها يوسف باشا خمسين يوما، ثم فتحها ونادى بالأمان بعد أن كان أحرق قرية الحدث في بلاد بعلبك، وتوفي السلطان محمد الثالث سنة 1603. (5) في بعض المشاهير السوريين في القرن السادس عشر
صفحة غير معروفة