المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه
محقق
عبد الكريم سامي الجندي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٤ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
وكان بحيث لو جمع يبلغ ملء الفم هل يجمع؟ وهل يحكم بانتقاض الطهارة؟ لم يذكر هذا الفصل في «ظاهر الرواية» . وذكر في «النوادر» خلافًا بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، فقال: على قول أبي يوسف ﵀: إن اتحد المجلس يجمع، وإن اختلف لا يجمع؛ لأن المجلس الواحد عرف جامعًا في الشرع، والمجالس المختلفة لا.
وقال محمد ﵀: إن اتحد السبب يجمع وإن اختلف لا يجمع، وتفسير اتخاذه عند محمد أن تكون المرة الثانية والثالثة قبل سكون الغثيان الأول، وعن أبي علي الدقاق أنه كان يقول بالجمع، اتحد المجلس أو اختلف، اتحد السبب أو اختلف، هذا إذا قاء مُرة أو طعامًا أو ماءً، وإن قاء بلغمًا إن كان نزل من الرأس لا ينتقض وضوءه، وإن كان ملء الفم بالاتفاق، وإن صعد من الجوف على قول أبي يوسف ﵀ ينتقض وضوءه إذا كان ملء الفم، وعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا ينتقض، وإن كان ملء الفم، وأجمعوا على أنه إذا كان أقل من ملء الفم إنه لا ينتقض وضوءه.
والحاصل: أن نجاسة الخارج أمر لا بد منها لكون الخارج حدثًا، والبلغم طاهر عندهما، وعند أبي يوسف نجس، وكان الطحاوي يميل إلى قول أبي يوسف حتى روي عنه أنه قال: يكره للإنسان أن يأخذ البلغم بطرف ردائه أو كمه ويصلي معه، فمن مشايخنا من أسقط الخلاف، وقال: قولهما محمول على ما إذا نزل من الرأس وذلك طاهر بالإجماع، وقول أبي يوسف محمول على ما إذا خرج من المعدة وذلك نجس بالإجماع لما نبين إن شاء الله تعالى.
ومنهم من حقق الخلاف فيما إذا خرج من المعدة، وهو الصحيح، فوجه قول أبي يوسف ﵀ أن الخارج من المعدة جاور أنجاس المعدة، فيصير نجسًا بحكم المجاورة. دليله الطعام. وجه قولهما قوله ﵇ لعمار بن ياسر ﵁: «ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك إلا سواسية» (قرن) النخامة بالماء الذي في ركوته فيدل على طهارتها، والدليل عليه: أن الناس من لدن رسول الله ﵇ إلى يومنا هذا تعارفوا أخذ البلغم بأطراف أرديتهم من غير نكير منكر، ولو كان نجسًا لوجد الإنكار من منكر كما في سائر الأنجاس، وما قال من المعنى بأنه جاور أنجاس المعدة فمسلم، إلا أن البلغم شيء لزج لا يحتمل النجاسة للزوجته كالسيف الصقيل، فلا يصير نفسه نجسًا، وإنما تكون النجاسة على ظاهره، وإنه قليل لا يبلغ ملء الفم بخلاف الطعام والشراب، لأنهما يحملان النجاسة فينجسان بمجاورة أنجاس المعدة، وإن قاء طعامًا أو ما أشبهه مختلطًا بالبلغم ننظر إن كانت الغلبة للطعام، وكان بحال لو انفرد الطعام بنفسه كان ملء الفم نقض وضوءه، وإن كانت الغلبة للبلغم وكان بحال لو انفرد البلغم بلغ ملء الفم كانت المسألة على الاختلاف، وإنما كان كذلك، لأن العبرة في أحكام الشرع للغالب، والمغلوب ساقط الاعتبار بمقابلة الغالب.
1 / 64