ووافق على ذلك قائلا: «إن أمثلة الذوق المبتذل في البيوت في إنجلترا أكثر منها هنا، ولكنها على الأقل فانية فريدة، وداخلها ينم عن شخصية أصحابها، كما أن المحلات التجارية هنا لا تعرض الأشياء التي تقابل اختلاف الأذواق، وعلى المرء أن يأخذ ما يجد.»
وقالت: «الاستثناء الملحوظ هو بيت جريس دي فريز؛ ففيه ذوق وشخصية فردية.»
ثم أثير السؤال عما إذا كانت اللغة المشتركة تعين أو تعوق التفاهم بين الإنجليز والأمريكان، وقد عبر هوايتهد منذ قدومه إلى هارفارد، وجلبرت مري عندما كان هنا أخيرا قادما من أكسفورد في عام 1926م، عبرا عن رأيهما بأن اللغة المشتركة تخدع الشعبين؛ إذ يحسبان أنهما متشابهان، في حين أن الخلاف بينهما بعيد المدى، ويؤدي ذلك فعلا إلى سوء التفاهم.
وقال: «كنت أقرأ كتاب «كرمويل » لجون بكان، والرأي الذي يصر عليه هو أن كرمويل وشارل الأول كلاهما قد هزم، ثم كانت فترة انتقال ما بين عام 1680م وعام 1737م حينما كان هناك فراغ ثقافي يكاد يكون تاما، ثم وقفت إنجلترا على قدميها مرة أخرى، وانطلقت في القرن الثامن عشر، ولكنها سارت في طريق الأرستقراطية وملكية الأرض، التي امتدت حتى الانقلاب الصناعي في القرن التاسع عشر وتداخلت فيه، فاختلطت الأرستقراطية القديمة بالأرستقراطية الحديثة، ولكن تاريخكم الأمريكي ينبع من المنشقين من الطبقة الوسطى البيوريتانية المصطبغة بصبغة ديموقراطية قوية. إن ثورة كرمويل لم تهزم في أمريكا؛ ومن أجل هذا تطور القطران في اتجاهين مختلفين جد الاختلاف. ومع ذلك فما أعجب علم الاجتماع! فإنه بالنسبة إلى الصعوبة التي تلاقيها المواهب الفردية في إنجلترا في شق طريقها صعودا إلى الطبقات العليا، نجد أن الناس يلزمون طبقاتهم، ويرتفعون بها، حتى إنا لنجد حركة عمالية يقودها رجال من طبقة العمال قيادة قديرة. فلما تولى حزب العمال الحكم في عام 1924م، وفي عام 1929م كانوا مؤهلين غاية التأهيل لحمل أعباء جميع الوزارات الإمبراطورية، بما فيها وزارة الشئون الخارجية.» - «إن حركتنا العمالية ما زالت بعيدة عن ذلك جدا.»
فقال هوايتهد: «نعم. أوليس ذلك من الأسباب التي تمكن أصحاب المواهب الاستثنائية عندكم من سرعة الارتفاع خلال الطبقات العليا؟ إنهم يرتفعون أفرادا، ولكنهم يخلفون طبقاتهم وراءهم؛ ومن ثم فإن الأرستقراطية الإنجليزية تخلق ديموقراطية حقيقية، في حين أن الديمقراطية الأمريكية تخلق نوعا من أنواع الأرستقراطية.»
وقال إن طالبا جامعيا شابا في مدرسة اللاهوت قد استشاره فيمن يقرأ من آباء الكنيسة الأوائل. - «وسألته: كم لبث أسلافه في هذه البلاد؟ فأجاب بأنه أتى إلى هنا من النرويج وهو في الثالثة عشرة من عمره، وكان أبوه قسيسا ريفيا، أفقر من أن يعلمه تعليما ثانويا، فأرسله إلى وسكنسن أو منيسوتا إلى أحد المعارف، الذي أوجد له عملا في مزرعة لمدة عام، ثم التحق بمدرسة عالية، ونجح فيها، وشق طريقه إلى كلية صغيرة، وحصل على منحة علمية، ثم جاء إلى هارفارد، وهنا أخذ يبحث في أوريجن وتوماس أكويناس. وعرفت أنهم ينظرون في أمر تعيينه معلما بالجامعة، ولا شك في أنه كان محظوظا في ذلك؛ فإن عنصر الحظ قوي في مصائر الناس، ولكن لا بد أيضا أن يكون قد عومل معاملة تنطوي على عطف شديد، وأود أن أخلص من ذلك إلى أنني لا أعرف مكانا آخر في الدنيا يمكن أن يحدث فيه مثل ذلك.»
وقال إن من رأيه أننا لم نستكشف بعد في جلاء قدرة الأديرة على إبراز العناصر الحساسة وذات الخيال القوي من البشر، وذلك بحمايتها في العصور الوسطى. كان العالم الخارجي عنيفا، ولكن هنا كان عالم الفكر يسير معه جنبا إلى جنب، وكان له نفوذ عظيم. وقد وجد العلماء المتواضعون الفقراء في هذه الأديرة ملجأ لهم، ثم ألاحظ بعد ذلك كيف سارت الدراسة في المعاهد؛ فمنذ فترة الانتقال من القرن الخامس إلى القرن السادس، حينما أسس القديس بندكت نظامه الديني، حتى القرن الرابع عشر - أي ما يقرب من ألف عام - كان كل عمل عقلي لا يمكن أن يؤدى إلا في حماية الأديرة، ولكن إذا ما بلغنا عهد إرازمس، نجد أنه لا يكاد يذكر راهبا دون أن ينحرف وينعته بصفة تنم عن الازدراء. ولست أعرف إلى متى تحتفظ جامعاتنا بقوتها، إنها اليوم ذائعة الصيت ولها نفوذ عظيم، لكن التعليم قد يبلغ حدا من الإجادة أبعد مما نطلب، إنه يستطيع أن يثبت فينا التقاليد ويفقدنا الروح، وفي ظني أن جامعة كمبردج التي أتقنت تدريس الرياضيات، هي التي أخرجت من بين طلابها كثرة من الشعراء الإنجليز، في حين أن أكسفورد التي تخصصت في دراسة العلوم الإنسانية، قد أخرجت كتابا بلغوا في جملتهم حدا عاليا من التوسط، وأعتقد أن المرء إذا بحث في الأدب مع أستاذ عالم ذكي مرتين أو ثلاث مرات كل أسبوع لعدة سنوات، تحدث عنه من جميع نواحيه ولا يرى داعيا للكتابة فيه، إنه عندئذ يدرك فوق ما ينبغي العمل الجيد الذي تم أداؤه في وفرة وبإتقان، فيقدسه أكثر مما يستحق ثم يقول: «من أكون حتى أبز هؤلاء؟»
وأخذنا نتلهى محاولين أن نتبين هل الشعراء الإنجليز قد نشئوا في قطاعات بذاتها، فسادوا في بقاع جغرافية معينة، والظاهر أن خط سيرهم قد امتد من البحيرات جنوبا إلى وسط الجزيرة شرقي محور رأسي متوسط، ثم إلى أنجليا الشرقية؛ لكي يتركزوا بطبيعة الحال في لندن.
ثم أخذ يتحدث عن الجامعات الأمريكية متعرضا لوظائفها العامة، وقال: «إنني لا أتفق مع أبراهام فلكسز في رأيه بضرورة وجود معاهد مستقلة موزعة في أنحاء البلاد كل منها يقدم لونا معينا من التدريب،
1
صفحة غير معروفة