ثم شرب حبة المهدئ بملء إرادته، وأردف: «أنا أعاني من «الحلموفوبيا» وحسب.»
كان علي أن أشكر عنايات؛ ليس لأنها قدمت لي الماء، بل لأنها قدمت لي حديثا أجريه مع حلمي. ولنبدأ بمرضه، سألته: «ماذا تعني بالحلموفوبيا؟»
بدا واضحا استغرابه من سؤالي، حتى إنه صارحني قائلا: «ألست تدري حقا؟» ثم ضحك وأردف: «إفراط مزمن بالحلم.» منعت نفسي من الضحك، فهل ثمة من مشكلة بالحلم؟ ومن المصاب بالفوبيا تحديدا؟ هل يفرط في الحلم فيخشاه؟ أم يخشى منه لأنه يحلم؟ سألته عم يقصد، فضحك ساخرا مني.
إنه يفترض أن الناس جميعهم يعرفون هذا المرض، ويخافونه حتى، وكي لا نتوقف طويلا هنا، سألته عن سبب إصابته بهذا المرض، فقال: «تلقيت العدوى من رامز.»
قلت بتوجس: «لقد قالت إن رامز ليس موجودا.»
ارتسمت على وجهه ملامح الحزن، وهز رأسه آسفا على إجابتي كما يبدو، فاعتذرت إليه، ثم قال: «أرأيت في حياتك قط كائنا «أيا يكن» يكون ثم فجأة لا يكون؟! .. كان هنا بالفعل، وقد تحدثنا طويلا، أخبرني عن مشروعه .. أجل .. رامز كان لديه مشروع، وهذا أمر مشروع أليس كذلك؟ لم يخفونه عني إذن؟»
لا أستطيع أن أزعم أنني اكتفيت بهذا القدر من الثرثرة، ولست أدري إن كان ما قبل محض ثرثرة أم أنه يحكي شيئا ما مهما، وفي الحالتين كان يجب أن أرحل، لست هنا كي أعرف إن كان رامز موجودا بالفعل أم أنه من خلق مخيلة حلمي وإحدى أعراض تهيؤاته .. أنا هنا لأفهم حلمي، لأرقب شخصيته، لأسمع كيف يحكي وماذا يفعل، ولكن إن بقيت هنا قد أتورط بقصص لا شأن لي بها؛ ولهذا كله وجب رحيلي، استأذنت منه كما يستأذن من العقلاء، وابتعدت صوب الباب إلا أنه هاجمني ولكن بصورة أخرى مختلفة عن طريقته في الهجوم على عنايات، فلحظتها لم يحمل في ملامحه أي ازدراء أو نزق، بل كان في وجهه شيء من الرجاء والتوسل، ومع هذا فقد دفعني إلى الكرسي وراح يبكي.
لم أكن أتصور أنه جاد إلى درجة البكاء، الحق أقول، إنه يبكي ويقترب من الكرسي المقابل لي، يجلس فوقه وينقبض على نفسه، فيبدو وكأنه طفل صغير تمت معاقبته دون ذنب اقترفه.
قررت أن أستمع إليه، دون أن أفهم إن كنت أبحث عن تجسيد النص فيه، أم أنني بالفعل أستمع وأصغي لكل ما سيقوله .. وكي لا تقولوا بأني أكذب، سأدعكم مع القصة كاملة كما رواها حلمي. «رامز يسقط سهوا.»
ستقول إنني أكذب، فما سأقوله عصي عن التصديق، تماما كالحقيقة ..
صفحة غير معروفة