إن لي وسط قبيلة فولان طائفة من الرجال في الأرض ممن يسارعون ويهبون للدفاع عن دين الله. إن دين الله، عز وجل، أحب إليهم من بيوتهم وأهليهم وأنفسهم. متى رأوا كفرا وعصيانا لربهم، قاوموه، وابتعدوا عن كل شخص أثيم ضال. ولي بعض من رجال الله في الأرض، وأيضا من الملائكة، على هيئة جيش مؤازر ومنتشر ... هو الله، والله أكبر! وهو يضاعف عونه ضد كل ظالم عنيف ومتجاوز.
أرسلت بطانة أحمد العديد من المبعوثين الآخرين إلى تمبكتو لمحاولة أسر بارت، لكن الفولانيين كانوا ضعفاء جدا هناك، وكان البكاي مدافعا لا يلين. وفي مساء أحد الأيام، عندما كان التهديد على بارت كبيرا على نحو استثنائي، ذهب المستكشف الألماني إلى منزل البكاي قرب منتصف الليل وهناك «وجدت الرجل التقي بنفسه، متسلحا ببندقية ذات ماسورتين.» أمضى الليل في صحبة البكاي ورجاله، في انتظار هجوم لم يأت أبدا. وبغية تمضية الوقت، أخذ الشيخ، جالسا على مسطبة مرتفعة من الطوب اللبن كانت تشغل ركنا من البهو، «يسلي الجمع الذي كان قد أخذه النعاس بقصص عن الأنبياء، وبخاصة موسى ومحمد، وعن الانتصارات التي أحرزها سالف الذكر، في بداية دعوته، على خصومه الكثر.» •••
على الرغم من أن بارت لم يكن يغادر منزله كثيرا، فقد تمكن من وقت لآخر من التجول في المدينة، وأثناء إقامته الممتدة كان بمقدوره أن يجري أكثر الملاحظات الأوروبية شمولا حتى ذلك الوقت عن الحياة في تمبكتو. لم تتعارض ملاحظاته مع النتائج التي كان قد توصل إليها كاييه، الذي كان قد زار المدينة مدة ثلاثة عشر يوما فقط وكانت هويته المزيفة عائقا أمامه، ولكن مع معرفة البروسي الأكبر بالمنطقة، وبصلاته وموارده الأفضل بكثير، صور تمبكتو من منظور مختلف.
رسم بارت مخططا أرضيا مفصلا، وسجل عليه أحياء المدينة المختلفة ووصف طبيعة كل منها. كانت أهم مباني المدينة هي مساجدها الثلاثة الكبيرة، وترك مسجد جينجربر المهيب على وجه الخصوص انطباعا دائما في نفسه. كانت دفاعات تمبكتو - وفي ذلك جدار «يبدو أنه لم يكن أبدا ذا ضخامة كبيرة» - قد دمرت أثناء الغزو الفولاني في عام 1826، بحسب ما كتب بارت. وأحصى بارت 980 منزلا من الطوب اللبن وبضع مئات من الأكواخ، وهو ما قاده إلى أن يقدر أن المدينة كانت تضم سكانا دائمين بلغ تعدادهم في ذلك الوقت حوالي 13 ألفا، ولكن أثناء موسم التجارة، من نوفمبر إلى يناير، كانت تزيد بمقدار 5000 إلى 10000 شخص، وربما كانت في وقت مضى في ضعف حجمها، ممتدة ألف ياردة أخرى شمالا لتشمل ضريح سيدي محمود، الذي كان الآن في الصحراء.
كانت أضرحة تمبكتو تلعب دورا خاصا في الحياة الروحية للناس. عندما توفيت والدة زوجة البكاي، ذهب الشيخ ليصلي على روحها في ضريح سيدي المختار، في الجانب الشرقي من المدينة. كان هذا مؤشرا على التبجيل الذي كانت تحظى به النساء، كما أورد بارت، مضيفا: «يوجد ... العديد من النساء اللواتي اشتهرن من أجل القداسة التي كانت عليها حياتهن، بل يوجد حتى من كن واضعات لمسالك دينية ذات قبول، وسط قبيلة كونتا.» لاحقا، شهد دورا آخر للرجل التقي؛ وهو دور المصالح. كان البكاي، وإخوته، وأبناء حارس بارت «يسعون إلى التوصل إلى تفاهم ودي فيما بينهم»، واندهش المستكشف عندما قيل له إن هذا سيجري في «المقبرة المعظمة الواقعة على بعد بضع مئات من الياردات شرق المدينة، حيث كان سيدي مختار مدفونا.» عاين بارت ضريح سيدي المختار عن قرب ووجد أنه كان عبارة عن «حجرة فسيحة من الطين اللبن، محاطة بالعديد من المقابر الأصغر لأشخاص كانوا راغبين في أن يضعوا أنفسهم في حماية روح هذا الرجل التقي، حتى في العالم الآخر.»
أما تصوير بارت للحياة الاقتصادية للمدينة التاريخية فلا يمكن أن يكون هناك ما هو أفضل منه. كانت المنطقة الأكثر ثراء هي تلك التي كان مقيما فيها، وهي حي سانيه جونجو، حيث كانت أغلى المنازل مملوكة للتجار. كانت السلع الوحيدة التي تصنع في تمبكتو هي المصنوعات الجلدية ومنتجات الحدادة، حسبما أورد، وكان ثراء المدينة معتمدا على التجارة الأجنبية، التي وجدت أن هذه البقعة هي «الموقع المفضل للتبادل التجاري.» كانت البضائع تتدفق إلى المدينة من ثلاثة طرق تجارية كبرى؛ طريقين كانا يجتازان الصحراء، واحد إلى المغرب والآخر إلى غدامس، في ليبيا؛ والثالث كان يمضي إلى جهة الجنوب الغربي في النهر. في يوم عيد الميلاد المجيد من عام 1853، شهد بارت فيضان مياه نهر النيجر يصل حتى تمبكتو، مجتاحا الجانبين الجنوبي والجنوبي الغربي من المدينة، وذكر أن «القوارب الصغيرة وصلت إلى مسافة قريبة جدا من المدينة.» كان الذهب، الذي كان يستخرج من مناجم بامبوك الشهيرة، في غرب مالي الحالية، هو المادة الخام المتبادلة الرئيسية، على الرغم من أن قيمة ما كان يستخرج منه في هذا الوقت لم تكن تتجاوز 20 ألف جنيه إسترليني في العام. كان يجلب إلى المدينة على هيئة حلقات، لكن لا بد أنه كان يتبادل في شكل تبر أيضا. كان وزن مثقال الذهب في تمبكتو يعادل أربعا وعشرين حبة من شجرة الخروب، وكانت قيمته تعادل ثلاثة أو أربعة آلاف صدفة.
كانت السلعة الرئيسية الأخرى في تمبكتو هي الملح، الذي كان يجلب من المناجم في تودني. كان الملح هنا يتشكل في خمس طبقات، وكان لكل طبقة قيمة مختلفة، وكان يستخرج على هيئة ألواح يصل وزنها إلى خمسة وستين رطلا. كانت قيمة اللوح المتوسط الحجم تعادل من ثلاثة إلى ستة آلاف صدفة، وكان أعلى سعر يدفع قرب فصل الربيع، عندما تصبح القوافل شحيحة بسبب الذباب الماص للدم الذي كان يتفشى في المنطقة. كان الملح يقايض بالأساس مقابل القماش المصنع في كانو، التابعة لخلافة صكتو. كانت كانو منتجا كبيرا للمنسوجات حتى إن بارت أطلق عليها «مانشستر أفريقيا.» كانت ثالث أغلى سلعة هي جوزة الكولا، وهي سلعة كمالية كان يوجد منها العديد من الأصناف المختلفة. بقدر ما استطاع التأكد، لم يكن العبيد يصدرون ب «كمية كبيرة». كانت المنتجات الزراعية الرئيسية في السوق هي الأرز، والذرة البيضاء، والذرة الرفيعة، علاوة على الزبدة النباتية، التي كانت تستخدم للطبخ والإضاءة. كما حدث مع كاييه، وجد بارت هو الآخر بضائع أوروبية، تشمل القماش، والمرايا، وأدوات المائدة، والتبغ، وسيوفا مصنوعة في ألمانيا، كانت تستورد عبر الصحراء. رأى بارت قماشا قطنيا أبيض مطبوعا عليه اسم شركة في مانشستر بحروف عربية، وأورد أن «كل أدوات المائدة في تمبكتو هي صناعة إنجليزية.»
مدركا أن المدينة لم تعد كما كانت فيما مضى، استخلص بارت أنه كان أمام أوروبا فرصة هائلة لإنعاش التجارة التي كانت في السابق تنشط هذه المنطقة من العالم. في نهاية المطاف، كانت تمبكتو لا تزال «ذات أهمية تجارية قصوى»، كونها كانت تقع بين نهر غرب أفريقيا العظيم والشمال.
أثناء إقامته الممتدة، عاد بارت أيضا إلى دراسته لمخطوطة «تاريخ السودان» التي كان قد وجدها في جاندو. في الخامس عشر من ديسمبر، من عام 1853، أرسل ملاحظاته، عبر قافلة، إلى البروفيسور إميل روديجر في الجمعية الشرقية الألمانية في ليبزيج. كتب أن هذا التسجيل للوقائع التاريخية قد أتم، على ما يبدو، على يد العالم أحمد بابا فيما بين عامي 1653 و1654، وكان يلقي «ضوءا غير متوقع على الإطلاق» على تاريخ المنطقة الذي كان مهملا تماما، بينما جعلت روايته فيما يتعلق بإمبراطور سونجاي وصف ليون الأفريقي يبدو «أجوف وفارغا». كان ضيق الوقت يعني أنه قد أجبر على إغفال عدد لا نهائي من التفاصيل - «من الطبيعي أن الرحالة في هذه المناطق لا يملك الطمأنينة التي يتمتع بها الباحث في غرفة مكتبه»، بحسب ما ذكر بارت - لكن لم يكن لديه شك في أن شخصا ما سيجلب نسخة كاملة من الكتاب إلى أوروبا في المستقبل القريب.
كتب إلى روديجر يقول له: «لعلك سمعت بالفعل من مصادر أخرى عن الظروف التي مررت بها في هذه المدينة الغريبة.» ثم أردف: «إنها ليست سارة على الإطلاق، لكن الرب الرحيم سيحفظ حياتي ويقودني إلى الديار، سعيدا ودون أن يمسني أذى، لأبسط من أجل مجده ما بدأته هنا.»
صفحة غير معروفة