في عام 1849، عثر على فرصته، في حملة جيمس ريتشاردسون الاستكشافية البريطانية إلى المناطق الداخلية الأفريقية. كان ريتشاردسون البروتستانتي قد انضم إلى جمعية مناهضة العبودية في بريطانيا والخارج عند تأسيسها في عام 1839 ونشأ لديه اهتمام خاص بالجانب المتعلق بالتجارة التي كانت تعبر الصحراء الكبرى. وفي عام 1845، قادته رحلاته إلى واحة غات، في فزان، ولدى عودته طرح فكرة القيام بحملة استكشافية إلى بحيرة تشاد على وزير الخارجية، اللورد بامرستن، بهدف الاستعاضة عن تجارة الرقيق بالسلع المصنعة البريطانية. ووافق بامرستن على ذلك. ولأن ريتشاردسون لم يكن خبيرا في الملاحظات الجغرافية، فقد لجأ إلى معارفه من البروسيين ليرشحوا له عالما، وبناء على توصية من ريتر استخدم بارت وأوفرويج. كان من شأنهم أن يسافروا على نفقة بريطانيا فيما أطلق عليه ريتشاردسون «رحلة استكشاف وعمل خيري إلى وسط أفريقيا عن طريق الصحراء الكبرى».
على غير العادة، وربما على نحو منذر بالشؤم، وضع الثلاثة عقدا قبل مغادرتهم ليحددوا أدوارهم. كان من شأن ريتشاردسون، بصفته القائد، أن يقرر اختيار الطريق ووسيلة التقدم، ولكنه كان ملزما أيضا بأن يعاونهما في عملهما العلمي. وإذا وصلوا إلى بحيرة تشاد على قيد الحياة، فسيعود، تاركا للرجلين الألمانيين أي أدوات يحتاجان إليها للقيام بملاحظاتهما.
كان التوتر بين بارت وقائده واضحا منذ البداية. كانت الجملة التي سيختار بارت، بعد أعوام، أن يفتتح بها سرده للرحلة في خمسة مجلدات هي: «كان السيد ريتشاردسون في باريس ينتظر المراسلات بينما كنت أنا والسيد أوفرويج قد وصلنا إلى تونس»؛ وبعد ستة أسابيع أخرى وصل ريتشاردسون المرتبك إلى طرابلس. استغل بارت الوقت في أن يأخذ أوفرويج في جولة كبيرة إلى المناطق الساحلية ، وهو انحراف اعتبره البريطاني دلالة على «تهور أوروبي». وبعد وصول ريتشاردسون، زادت حالات التأخير أكثر؛ إذ انتظر أن تشحن كميات هائلة من المعدات من مالطا. وكان أكبر سبب للتأخير هو القارب. فعلى الرغم من أن الأميال الألف والخمسمائة الأولى من طريق الحملة الاستكشافية كانت ستقطع عبر الصحراء، كان عليهم أن يحملوا قارب تجديف ثقيلا كانوا يأملون أن يستخدموه يوما ما في معاينة بحيرة تشاد. واحتاجوا أيضا إلى بحار لتشغيله؛ وكان ريتشاردسون قد عين قريبا له لهذه المهمة، لكنه كان صعب المراس حتى إنه أعيد إلى الديار عندما كانوا في منتصف الطريق وسط الصحراء.
هذا النوع من الأخطاء الفادحة كان أمرا معتادا من ريتشاردسون، بحسب القنصل البريطاني في طرابلس، جي دبليو كرو، الذي أعرب لوزارة الخارجية عن دهشته الشديدة من أن يختار رجل كهذا لقيادة حملة استكشافية إلى المناطق الداخلية: «أخشى أن يؤدي سوء إدارته الشديدة إلى إضعاف السمعة التي تتمتع بها حتى الآن الأمة الإنجليزية في وسط أفريقيا.»
بينما رتب ريتشاردسون عملية نشر القارب إلى قطع يمكن أن تحمل على ثمانية جمال كبيرة، انطلق البروسيان النافدا الصبر جنوبا، بعدما وعداه بأن ينتظراه بعد أربعين ميلا في وادي المجينين. وأخيرا، في صباح يوم الثاني من أبريل من عام 1850؛ وإذ كان الجو صحوا، كانت الحملة تستعد للرحيل. كان من شأن المشهد الذي تقع عليه عينا زائر الوادي أن يكون جديرا بسيرك بارنوم وبيلي.
امتلأ مجرى النهر الجاف باثنين وستين جملا، بينما اشتبك حولها عشرات من قادة الجمال، والخدم، والتابعين في عراك وجدال. كان ريتشاردسون قد وظف ترجمانا سكيرا يسمى يوسف موكني، الذي كان ابنا لحاكم سابق لفزان، والذي كان قد أجبر على توقيع عقد بالامتناع عن شرب الخمر، واثنين من الإنكشارية العرب اللذين أمضيا الأسابيع الأولى في التهديد بأن يقتل أحدهما الآخر. بعد ذلك أتت حفنة من العبيد المعتوقين، العائدين مع عائلاتهم من تونس إلى وطنهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومرابط من فزان. كان الشخصان الأكثر جدارة بالملاحظة من الجميع هما تابعان وصفهما ريتشاردسون بأنهما «رفيقان مجنونان»، واللذان تشكك في أن الهدف الوحيد من وجودهما كان التهكم على الحملة. كان لدى أحد هذين الرجلين، والذي زعم أنه يحمل لقب شريف من نسل النبي، «عادة كريهة تتمثل في التهديد بقطع عنق الجميع». وما إن وصل حتى أثار استياء القافلة ببدء المشاحنات وإخبار الآخرين بأنه سيطعنهم أو يطلق عليهم النار. «ولكنه كان يتملقنا نحن الأوروبيين»، بحسب ما ذكر ريتشاردسون، «بينما كان معه سكين ضخم يخفيه تحت ثيابه جاهزا للهجوم.» كانت مجموعة من الدبلوماسيين والمغتربين قد أتت أيضا إلى الوادي لتودعهم: القنصل الأمريكي، السيد جينز؛ ونائب القنصل البريطاني، السيد ريد؛ وفريدريك وارينجتون، وزوج أخت ألكسندر جوردون لينج وصديق بارت، وهو رجل وصفه البروسي بأنه «ربما يكون أروع مثال على الأوروبيين المستعربين».
ما إن أعيد «الرفيقان المجنونان» إلى طرابلس، وأحدهما، وهو الشريف، تحت الحراسة، انطلقت الحملة الاستكشافية. ركب وارينجتون معهم الأيام القليلة الأولى حتى مدينة غريان التي تقع على قمة جبل. أقاموا مخيما وسط شجيرات الأكاسيا وراقبوا المخروط البركاني لجبل تكوت بينما كانت قصعة كبيرة من الكسكسي تحضر لوارينجتون. وفي صباح اليوم التالي، الخامس من أبريل، راقبهم وهم يغادرون صوب الأفق الجنوبي، مثلما راقب والده ألكسندر جوردون لينج يرحل منذ خمسة وعشرين عاما.
كتب بارت بعد عدة أعوام: «افترقنا عن السيد وارينجتون، وكنت الوحيد من الرحالة الثلاثة الذي سوف يراه مجددا.» •••
اتضح أن ريتشاردسون ضعيف في القيادة بقدر ما توقع الجميع، وكانت رحلتهم عبر الصحراء تماثل في تعرجها تقريبا رحلة لينج. كانت القافلة مستنزفة على يد مرشديها ومطاردة من قبل قراصنة الطوارق. وبحلول شهر سبتمبر من عام 1850، عندما وصلوا إلى الأمان في تنتالوس في جبال آير، كان الإرهاق قد بلغ بريتشاردسون مبلغه. وبينما انطلق بارت في حملة استكشافية فرعية إلى أغاديس، حيث سمع عن وجود إمبراطورية سونجاي السودانية العظيمة، استراح ريتشاردسون في خيمته. لم يستطع أن يحتمل حرارة الجو، وحاول واهنا أن يرجع إلى طرابلس لكنه لم يتمكن من العثور على مرشد. ومات في شهر مارس في العام التالي دون أي مقاومة. عندئذ تولى بارت مسئولية الحملة، وأجرى بالاشتراك مع زميله البروسي مسحا شاملا لبحيرة تشاد، لكن نوبات متكررة من الحمى دمرت صحة أوفرويج، وبحلول أواخر شهر سبتمبر من عام 1852 مات هو الآخر. دفنه بارت في قبر على ضفة البحيرة، بجوار القارب.
اغتم بارت بشدة لوفاة أوفرويج. وكتب في يومياته: «وهكذا مات صديقي ورفيقي الوحيد، في العام الثلاثين من عمره، وهو في ريعان شبابه.» عندئذ شعر أن بحيرة تشاد «لا تطاق»، ولم يكن أمامه سوى أن يفعل أمرا واحدا، وهو أن يمضي قدما. ترك بامرستن أمر وجهة الحملة المستقبلية بالكامل لسلطته التقديرية، وكتب له أنه سيكون «راضيا تماما» بمسار غربي إن اختار بارت هذا، وكان ذلك هو ما فعله المستكشف حينئذ. كتب: «عزمت على أن أنطلق بأسرع ما يمكن في رحلتي صوب نهر النيجر، إلى بلاد جديدة وأناس جدد.» وفي الخامس والعشرين من نوفمبر، شرع في المضي على الطريق الخطر إلى تمبكتو، متنكرا في هيئة مسلم، كما فعل كاييه من قبل. ادعى أن اسمه «عبد الكريم»، وأنه سوري يتكلم التركية كان مسافرا إلى المدينة ومعه كتب لشيخ تمبكتو، وهو رجل يدعى أحمد البكاي كان بارت قد سمع به في أسفاره.
صفحة غير معروفة