في يوم الجمعة، الموافق الرابع من مايو، رأت مجموعة من الجهاديين المتعبدين وقالت لهم إن ما يفعلونه محرم وينبغي عليهم أن «يطلبوا العون من الله مباشرة دون وسيط» وليس من شخص ميت. بعد ذلك بدءوا يهاجمون المقبرة، ويحطمون باب الضريح ويقتلعون نوافذه، ويحرقون الستار الأبيض الذي يفصل القبر عن مكان الصلاة ويحطمون العديد من شواهد القبور. قال أحد معاوني رئيس البلدية لأحد المراسلين في اليوم التالي إن الجهاديين كانوا قد توعدوا الناس بهدم أضرحة أخرى، وكذلك بعض المخطوطات. وقال: «إن تمبكتو مصدومة.»
تفاعل الخبراء الثقافيون حول مالي مع الأمر بمزيج من الغضب والحزن. قال البروفسيور بابا أكيب حيدرة، وهو خبير مخطوطات تمبكتي: «إنني أعاني والجميع يعانون بنفس الطريقة معي.» ثم أردف: «إنهم يعودون بنا إلى الوراء، إلى الوراء، هذا غير مقبول. إنهم يهاجمون قيمنا، وروحانياتنا، المتغلغلة في روح تمبكتو. يجب على اليونسكو أن تعمل على تعبئة الرأي العام الدولي. هذا ليس الإسلام، وستقع كارثة عظيمة إن لم يفعل أحد شيئا.» وبالنسبة للمخرج ووزير الثقافة المالي السابق شيخ عمر سيسوكو، كانت المقبرة تمثل «جزءا من التراث الثقافي والروحي لتمبكتو، وللإنسانية بوجه عام»، والتعصب الذي تمثل في الهجوم عليها كان «مأساويا». أما الحكومة المالية فأدانت «حتى الرمق الأخير» ما وصفته بأنه «عمل حقير يهدم المبادئ الأساسية للإسلام، دين التسامح والاحترام.»
في الرابع عشر من مايو، أطلق المجتمع الثقافي بالمدينة - الفنانون، والمثقفون، والعاملون في المخطوطات - نداء استغاثة إلى الأمين العام للأمم المتحدة. نص الإعلان على أن «الفوضى الشاملة وغياب القانون سائدان هنا في تمبكتو»، مضيفا أنه كان «يوجد خطر جسيم يتمثل في تدمير كل ثرواتها.» إن كان التراث العالمي يعني شيئا، فيجب على المجتمع الدولي أن يبادر بالتحرك الآن، لأن «تمبكتو على وشك أن تفقد روحها. إن تمبكتو مهددة بتخريب شائن. إن سفاحا يضع سكينه الحاد على عنق تمبكتو.»
لم يتأثر الجهاديون بأي من ذلك. فقد كانوا ينفذون تعاليم الله. قال حماها ذو اللحية الحمراء موضحا: «يجب ألا يتجاوز ارتفاع القبر مستوى الكاحل.» وأضاف: «إذا كان القبر أعلى من ذلك، يجب عليك أن تهدمه.» •••
لرجال المكتبات الثلاثة في باماكو، كان تدنيس قبر سيدي محمود تطورا جديدا مقلقا. إلى أي مدى سيصل هؤلاء الناس؟ وما الذي يعنيه هذا للمخطوطات؟ كما كان يعرف أي أحد أمضى وقتا مع الوثائق، لم تكن محتوياتها قاصرة على موضوعات يعتبرها الجهاديون مقبولة. على وجه التحديد، كانت فكرة الشفاعة - التي تعني أنه يمكن للمسلمين التوسل إلى أحد الأولياء ليتوسط إلى الله من أجل تحقيق مطالب خاصة - محل نقاش واسع في المخطوطات، لكن السلفيين كانوا يعتبرونها أمرا محرما وملعونا. فبحسب ما ذكر اللاجئون الذين خرجوا من المدينة، اعتبر محتلو المدينة أن بعض الكتب في معهد أحمد بابا «لا تتماشى مع الإسلام.»
أيضا وصلت إلى رجال المكتبات أنباء بأن الجهاديين كانوا قد بدءوا في الاعتراض على الاحتفال الديني الرئيسي في تمبكتو، وهو المولد النبوي. يحتفل المسلمون السنة في سائر أنحاء العالم الإسلامي بالمولد النبوي منذ القرن الثاني عشر، لكن السلفيين لم يوافقوا عليه؛ فمن وجهة نظرهم، كان المولد النبوي بدعة ارتقت بالنبي إلى درجة قريبة من الألوهية. كان هذا موضع قلق كبير لرجال المكتبات؛ لأن احتفالات المولد النبوي في تمبكتو كانت تستند على «القصيدة العشرينية»، وهي قصيدة مجازية من عشرين بيتا في مدح النبي. كان هذا النص التعبدي، الذي كتبه عبد الرحمن الفزازي في القرن الثالث عشر في قرطبة، قد جاء إلى تمبكتو من المغرب في القرن الخامس عشر ونسخ على نطاق واسع. أثناء الاستعداد للاحتفال، كانت القصيدة بكاملها تقرأ أربع مرات؛ أولا على مدى أربعين يوما، ثم على مدى أسبوع، ثم على مدى ثلاثة أيام. وأخيرا، كانت تقرأ على مدى الليلة الأخيرة التي تسبق اليوم المقدس نفسه. وحيث إن هذا العمل كان موجودا في الكثير من مجموعات المخطوطات، خشي حيدرة أن يجتذب انتباه محتلي المدينة إلى وثائق معينة لم تكن ستعجبهم.
تذكر حيدرة قائلا: «عقدت لقاءات كثيرة في تمبكتو بين المحتلين والأعيان والمرابطين حول تنظيم المولد النبوي.» ثم أردف: «سمعنا أن المحتلين قالوا: «لا، لا، الاحتفال بالمولد النبوي حرام. كما أن المخطوطات التي تتحدث بشأنه ليست في الحقيقة مخطوطات جيدة.» سمعنا ذلك. وجعلنا هذا نبدأ في التفكير. قلنا إن ذلك ربما يكون تهديدا.»
بدأ أيضا يسمع أنباء عن أن المتمردين قد قبضوا على أشخاص معهم مخطوطات في حقائبهم وأتلفوها. تذكر قائلا: «وجدوا بعض المخطوطات وأحرقوها.» ثم أردف: «لم يكن بالأمر الجلل؛ إذ كانت مخطوطات قليلة، لكنهم أحرقوها.» تلاعبت هذه القصص بمخيلة حيدرة. إن كانوا قد أتلفوا بضع حزم من المخطوطات، فماذا سيفعلون بمكتبة مليئة بها؟
قال حيدرة: «قلنا إن ذلك ليس جيدا.» ثم أردف: «كنا نعرف أن الأمور تبدأ هكذا، شيئا فشيئا.»
بحسب ما قال معيجا، تبلورت هذه النذر القليلة من المعلومات في هيئة قرار اتخذ في الأسبوع الأخير من مايو.
صفحة غير معروفة