لم تكن أبنيتها عالية ولا ضخمة ضخامة مميزة؛ وكان معظمها يتألف من طابق واحد. لم يكن للمدينة أسوار. لم يكن ثمة نسمة ريح، وعندما استلقى لينام جعلته الحرارة الخانقة يشعر بعدم الراحة أكثر من أي وقت مضى. وفي صباح اليوم التالي، بعدما تفحص المدينة في ضوء النهار، وجد أنها لم تكن كبيرة ولا مزدحمة بقدر ما كان قد انساق إلى أن يعتقد. كان سوقها الفاخر صحراء جرداء مقارنة بسوق جني. كان جوها يبعث على الخدر. أورد قائلا: «كان لكل شيء مظهر كئيب.» ثم أضاف: «دهشت من الركود، بل يمكنني حتى أن أقول الجمود، الذي تجلى في المدينة.»
كما كان البارون روسو قد توقع، كانت المدينة العظيمة ذات المنازل المسقوفة بالذهب مجرد وهم. كتب كاييه أن «التصورات المبالغ فيها» عن هذه المدينة التي كانت «موضع فضول لعصور عديدة» كانت قد سادت، مشتملة تعدادها، وحضارتها، وتجارتها مع بلاد السودان. كانت مدينة صغيرة، قطرها ثلاثة أميال، ومثلثة الشكل تقريبا، وكانت قائمة على تربة كانت «غير صالحة للزراعة على الإطلاق» ولم يكن فيها أي نباتات سوى أشجار متقزمة وشجيرات.
ومع ذلك، كان للمدينة بعض الميزات الإيجابية التي كان من شأنها أن تقلل من خيبة أمله. كانت شوارعها نظيفة، وأهلها متأنقين، ولطفاء وميالين لمساعدة الغرباء، على النقيض مما كان قد قيل لبارك. لم تكن النساء محجبات مثل النساء في المغرب وكان مسموحا لهن الخروج متى شئن وزيارة من شئن. كان يوجد في المجمل سبعة مساجد، منها مسجدان كبيران، وكانت تعلو كلا منها مئذنة من الطوب. وعندما ارتقى كاييه برج مسجد جينجربر الكبير، لم يسعه إلا أن يعبر عن إعجابه بحقيقة أن مدينة قد بنيت هنا أصلا: «لم يسعني سوى أن أتأمل في ذهول المدينة المذهلة التي أمامي، التي لم تنشأ إلا لدواعي التجارة، والمفتقرة إلى كل مورد عدا ما يتيحه موقعها العرضي بصفتها مكانا لتبادل السلع.»
كان حاكم تمبكتو تاجرا يدعى عثمان، كان قد ورث ثروة كبيرة من أسلافه، وكان «ثريا جدا» على نحو مرض. استقبل الحاكم كاييه بينما كان جالسا على بساط جميل عليه وسادة فاخرة:
بدا أن الملك كان ذا طبيعة ودودة للغاية؛ ربما يكون عمره حوالي خمسة وخمسين عاما، وكان شعره أبيض ومجعدا. كان متوسط الطول، وكان لونه قاتم السواد. كان له أنف معقوف، وشفتان رفيعتان، ولحية رمادية، وعينان واسعتان، وكانت طلعته في مجملها مقبولة؛ أما ملبسه فكان، كملابس المور، يتألف من أشياء أوروبية الصنع. كان على رأسه طاقية حمراء، تلتف حولها قطعة كبيرة من نسيج قطني على هيئة عمامة. كان حذاؤه مصنوعا من جلد الماعز المدبوغ، على شكل النعال التي نرتديها في الصباح، ومصنوعا محليا. وكان كثيرا ما يزور المسجد.
كانت التجارة هي شريان الحياة لهذه المدينة التي كانت «واحدة من أكبر المدن» التي رآها كاييه في أفريقيا، و«المركز التجاري الرئيسي» لهذا الجزء من القارة. كان يوجد الكثير من المغاربة هنا، والذين كانوا يقيمون من ستة إلى ثمانية شهور ليبيعوا بضائعهم ويشتروا المزيد من البضائع التي يحملونها إلى الشمال. كتب كاييه أنه، فيما يتعلق بالتجارة، كان الناس مجتهدين وأذكياء؛ وكان التجار عموما أثرياء، ويسكنون أفضل المنازل في المدينة ويمتلكون الكثير من العبيد. تألفت السلع بالأساس من الملح وبضائع أخرى كانت تصل إلى تمبكتو عن طريق القوافل أو بالقوارب. وكانت توجد حتى أغراض من أوروبا؛ إذ وجد كاييه بنادق ذات ماسورتين عليها علامة مصنع الأسلحة الفرنسي المملوك للدولة في سانت إتيان، إلى جانب مصنوعات أوروبية «زجاجية، وعنبر، ومرجان، وكبريت، وورق، وما شابه.» كان ما أورده كاييه عن «الورق، وما شابه» هو أقرب إشارة جاء على ذكرها فيما يتعلق بالمخطوطات.
أقام الفرنسي في المدينة أسبوعين. وكرس أيامه القليلة الأخيرة لمحاولة معرفة ما أصاب لينج، الذي كان قد سمع اسمه في جني، وأراه أحدهم الموضع الذي قيل إنه قد قتل فيه. بكاه كاييه سرا؛ إذ كان ذلك هو «الإعراب الوحيد عن الأسف الذي يمكنني تقديمه للرحالة المنكود.» غادر كاييه تمبكتو في الرابع من مايو، من عام 1828، مرتحلا مع قافلة تحمل ريش النعام، والعاج، والذهب، والعبيد إلى أسواق المغرب. وأعطاه مضيفه، سيدي عبد الله شبير، الذي كان «رجلا رائعا»، بضاعة كافية لتمويل رحلته القادمة واستيقظ مبكرا في يوم الرحيل ليرافقه لبعض المسافة، قبل أن يصافح كاييه بمودة ويتمنى له التوفيق.
كان رجال القافلة أقل تمسكا بكرم الضيافة. لم يظهر سائقو القافلة أي رحمة بالمسافر المعدم، وكانوا أسوأ مع العبيد. كان الماء شحيحا دوما حتى إن كاييه شعر باستمرار أنه على وشك الموت، ورفض سائقو القافلة أن يعطوه المزيد حتى عندما توسل إليهم. انطوت العواصف الرملية على خطر أن تطمر القافلة كلها، متخذة في بعض الأحيان هيئة زوابع ترابية هائلة. وحتى عندما كانوا يرتحلون تحت السماء الحارقة، لم يسعه إلا أن ينبهر برحابة الطبيعة الصحراوية، بآفاقها التي لا حدود لها، وسهولها الشاسعة البراقة. •••
بلغ كاييه القنصلية الفرنسية في طنجة في السابع من سبتمبر، بعد 507 أيام من انطلاقه. كان منهكا، ومعتلا، ويرتدي أسمالا، لكن كان بوسعه أخيرا أن يتخلى عن تنكره، فارتدى ملابس أوروبية، وعثر على سفينة متجهة إلى تولون. وهناك كتب إلى جومار في الجمعية الجغرافية الفرنسية، الذي أرسل إليه على الفور خمسمائة فرنك لتغطية نفقات رحلته إلى العاصمة الفرنسية. وفي باريس، استجوب جومار وزملاؤه الرحالة من أجل التحقق من روايته، التي أعلنوا أنها حقيقة؛ فقد حقق «كل شيء ممكن ... أكثر مما كان يؤمل بما كان لديه من الموارد»، وقد «نجح نجاحا كاملا.» وعلى الرغم من الاعتراضات البريطانية، منح كاييه الجائزة المالية، وفي عام 1830، منح الميدالية الذهبية، على الرغم من أنه اتفق على أنه ينبغي تقاسمها مع لينج.
قوبل انتصار كاييه بصيحات تفاخر مزهوة في فرنسا. فصرحت إحدى الصحف الفرنسية: «ها نحن ذا لدينا ما هو محط فخر لفرنسا، ومحط غيرة من منافستها الدائمة!» وأضافت: «ما عجزت إنجلترا عن إنجازه، بمعاونة مجموعة كاملة من المستكشفين، وبتكلفة تجاوزت عشرين مليونا، فعله رجل فرنسي بموارده الشخصية الشحيحة وحدها، وبدون أن يكلف وطنه أي نفقات.» رد البريطانيون بغضب عارم. كيف استطاع فرنسي بسيط، متواضع التعليم، أن يبلغ الهدف الذي كانوا يسعون إليه لعقود؟ كانت شدة حمى بلوغ تمبكتو قد تمخضت عن العديد من الادعاءات الكاذبة في الأعوام الأخيرة؛ ومن المؤكد أن رواية كاييه كانت مجرد كذبة أخرى. الأمر الأرجح أن السفينة التي كان على متنها قد تحطمت على الساحل البربري وأنه سمع بعض المعلومات المبهمة عن الداخل الأفريقي وتظاهر بأنها من عنده. لم يؤد تظاهره بالإسلام إلا إلى زيادة الغضب البريطاني؛ لأنه إن كان المستكشف على استعداد لأن يبدل دينه طوعا، فكيف يمكن لملاحظاته أن تكون محل ثقة؟
صفحة غير معروفة