في رسالته الأولى، ذكر روسو متأملا أن عاصمة بلاد السودان، «تن بكتو»، أفلتت دوما من أكثر الاستقصاءات مثابرة. قال: «الجميع يتحدث عنها، ولم يرها أحد بعد.» كان يأمل أن يأتي مستكشف، مدفوعا بما أعلنته الجمعية الجغرافية الفرنسية عن «منافسة نبيلة وسخية» وأن «يسعد بأن يميط عنها ... لثام الغموض وهو ما من شأنه أن يكشفها أمام أعين الباحثين الأوروبيين.» واستطرد القنصل الفرنسي قائلا إنه، إلى أن يحدث ذلك، كان قد تمكن من جمع القليل من المعلومات عن الموضوع:
يبدو أنه يوجد تأريخ مفصل لهذه المدينة، كتبه شخص يدعى سيدي أحمد بابا، المولود في أروان، وهي بلدية في الإقليم [المسمى كونتا]، وهو تأريخ يحدد وقت تأسيسها بأنه عام 1116 ميلادية. في هذا العمل، هذه هي الكيفية التي تروى بها الملابسات التي أحاطت بتأسيس تن بكتو: «استقرت امرأة من قبيلة الطوارق، تسمى بكتو، على حافة نيل الزنوج، في كوخ تظلله شجرة كثيفة الأغصان؛ وكانت تمتلك بعض النعاج، وودت أن تمارس كرم ضيافتها مع المسافرين من قومها الذين كانوا يمرون من ذلك الطريق. وسرعان ما أصبح منزلها المتواضع ملاذا مقدسا، ومكانا لراحة وسرور القبائل المحيطة، التي أطلقت عليه اسم «تن بكتو»، أي ملك بكتو (كلمة «تن» في اصطلاحهم هي ضمير الملكية للغائب). بعد ذلك جاءت هذه القبائل من كل الجهات لتجتمع وصنعت مخيما شاسعا، تحول فيما بعد إلى مدينة شاسعة وآهلة بالسكان.» هذا، بحسب سيدي أحمد بابا، هو أصل الاسم وأصل تأسيس تن بكتو، التي ربما كانت شهرتها في نهاية المطاف هي مجرد وهم، سيزول ما إن نتمكن من قهر العقبات الكثيرة التي تمنع الوصول إليها.
نشرت رسائل أخرى لروسو، مؤرخة في الثالث من مارس وفي الثاني عشر من يونيو، 1828، في «نشرة الجمعية الجغرافية الفرنسية» في العام التالي. هذه المرة خلط هو أو محررو النشرة بين اسم أحمد بابا والبطل الشعبي علي بابا: إذ كتب روسو: «آمل أن يكون بحوزتي قريبا تاريخ تمبكتو الذي كتبه سيدي علي بابا من أروان، والذي أترقب وصوله من توات.»
أما وارينجتون فاعتبر هذا دليلا إضافيا على الحيل الفرنسية القذرة. كيف أمكن لروسو أن يكون في وضع يتيح له أن يتحصل على تاريخ تمبكتو الذي كتبه «علي بابا» بينما لم يكن أي فرنسي قد وصل إلى المدينة؟ هل كان هذا هو الكتاب الذي كان لينج قد ألمح إليه في خطابه الوحيد من ذلك المكان، والذي كان قد كتب فيه أنه قد «كوفئ بسخاء» في عمليات بحثه عن سجلات المدينة؟ كان يوجد تفسير بسيط للأوراق المفقودة: وهو أن الفرنسيين قد سرقوه. وكلما واصل في هذا المسار من التحقيقات، ازداد عدد الشهود الذين تقدموا ليعطوه الإجابة التي رغب فيها. أخبره بونجولا بأن الدغيس قد استحوذ على أوراق لينج، بينما قال موظف سابق لدى روسو إنه قد رأى الدغيس يسلم وثائق إلى القنصل الفرنسي مقابل مبلغ من المال. خمن وارينجتون أنه لا بد أن يكون الدغيس قد حصل على ثمار رحلة لينج، وباعها للفرنسيين ليساعدوه على دفع ديونه.
بينما كان وارينجتون يتأهب لمواجهة روسو بشأن أوراق لينج المفقودة، كانت الأنباء على وشك أن تذيع بشأن أن أوروبيا ثانيا قد وصل إلى تمبكتو. كان هذا التطور سيئا على نحو مضاعف لوارينجتون؛ لأن المستكشف كان فرنسيا. •••
كان رينيه كاييه من نواح كثيرة يمثل نقيض لينج. كان شخصا بسيطا، وابن مجرم مدان، وصار يتيما في الحادية عشرة من عمره، كما كان طفلا مهملا يتسم بشخصية حالمة، بل كئيبة. كانت إحدى بوادر حظه الحسن المبكر القليلة هي أن ظهر في حياته معلم شجعه على قراءة قصص المغامرات. كان ما ألهب مخيلة كاييه على وجه خاص هو رواية دانييل ديفو، «روبنسون كروزو»، لكن لم يثر حماسه شيء في الأدب بقدر خريطة أفريقيا. في طفولته، كان قد تمعن في شكل القارة الذي يشبه تركيبا مأخوذا من أجسام حيوانات ثديية، من ردف مستدير إلى قرن وحيد القرن، وتأمل طويلا تعليقاتها التوضيحية المدهشة. أي مدن تقع في تلك الفجوات غير المكتشفة؟ وأي مخلوقات غير منظورة؟ وأي حضارات مجهولة؟ ازداد شغفه بالجغرافيا حتى صار ولعا. وقرر أن يصنع لنفسه اسما بارزا باكتشاف ما مهم في هذه القارة التي لم يستكشف منها إلا القليل. انعزل عن أصدقائه، ونبذ الرياضة ووسائل اللهو الأخرى، وكرس وقت فراغه للكتب والخرائط. في السادسة عشرة من عمره - وهو نفس عدد الأعوام التي كانت قد مرت من القرن التاسع عشر - ترك وطنه وفي جيبه ستون فرنكا، متجها إلى أفريقيا.
كان العقد الأول من حياة كاييه المهنية في الاستكشاف بمثابة تعلم للأخطاء التي يمكن أن يقع فيها المغامرون الأوروبيون. أبحرت سفينة «لوار»، التي عمل على متنها مقابل أن تحمله جنوبا، من فرنسا بصحبة الفرقاطة «ميدوسا»، وهي سفينة لاسمها سمعة سيئة. تحطمت «ميدوسا» في مياه أرجين الضحلة السيئة السمعة، وهي جزيرة قبالة الساحل الغربي بالقرب من كيب بلانكو، وعندئذ هرب القبطان والضباط إلى القوارب، وأودعوا 147 فردا من أصحاب الرتب الأدنى طوفا مؤقتا جنح بهم بعيدا عن الشاطئ. لم ينج إلا خمسة عشر شخصا من مشاهد القتال المخمور، والمجاعة، وأكل لحوم البشر التي اندلعت على متن الطوف، والتي خلدها تيودور جيريكو في لوحته «طوف ميدوسا»، كناية عن فساد الصفوة الفرنسية.
سرعان ما وجد كاييه كوارث كبرى مماثلة تجري على البر. كان من بين هذه الكوارث حملة استكشافية بريطانية كبيرة إلى الداخل الأفريقي وتمبكتو بقيادة الميجور جون بيدي، كانت قد انطلقت من منطقة مستنقعات ينتشر بها داء الملاريا من عند مصب نهر نونيز. توفي بيدي جراء الحمى قبل حتى أن يترك الساحل، ولم تقطع حملته إلا ثلاثمائة ميل في الداخل حتى أجبرت على العودة ومعها نصف ضباطها موتى. لم يفت ذلك من عضد البريطانيين، وحاولوا مجددا، هذه المرة بدءا من نهر جامبيا، لكن ملك بوندو استنزف الحملة الاستكشافية بخبرة كبيرة حتى إن قائدها، الميجور ويليام جراي، سرعان ما اضطر إلى أن يرسل إلى الساحل في طلب المزيد من الهدايا. انضم كاييه إلى قافلة إعادة التموين، التي حملت قدرا أكبر بكثير مما يلزم من الأمتعة وأقل مما يلزم بكثير من المياه إلى الصحراء. أصبحت عينا الشاب مجوفتين بسبب الجفاف، وشاهد اليأس يستولي على الرجال الآخرين حتى إنهم شربوا بولهم. ولاحقا، أصابته الحمى، وكان من حسن حظه أن تمكن من العودة إلى فرنسا على قيد الحياة. وهناك سمع أن هذه الحملات العسكرية البريطانية الفاشلة كانت قد تكلفت مبلغا خياليا يصل إلى 750 ألف جنيه إسترليني، وهو ما يعادل 3,4 ملايين دولار في هذا الوقت.
ومع ذلك ظل كاييه مثابرا. في عام 1824 عاد إلى أفريقيا ومعه فكرته الخاصة عن الهجوم على الداخل الأفريقي. على خلاف حالات الفشل التي كان قد شهدها، كانت مهمته ذات تكلفة قليلة ومتسمة بالحذر. كان سيتنكر في هيئة عربي مصري بائس كان قد تعرض للاختطاف على يد القوات الفرنسية في طفولته وكان الآن متوجها إلى الإسكندرية عائدا إلى الديار. أمضى ثلاث سنوات في التحضير لدوره، فتعلم العربية والنصوص الإسلامية، وأتقن قصته الملفقة، وتعلم كيف يرتدي ثيابه، ويصلي، ويأكل مثل المسلمين. لم يكن الفرنسيون والبريطانيون سيوفرون التمويل المالي لمهمته المنفردة، لكن كان من شأن جائزة الجمعية الجغرافية الفرنسية أن تكون مكافأة كافية له. كان سيعطي المال لأخته، التي كانت تعيش في فقر في فرنسا.
أقسم في نفسه: «حيا أو ميتا، سوف تكون من نصيبي.»
صفحة غير معروفة