في اليوم التالي، عادت الأنباء تأخذ منعطفا سيئا. كانت بلدة كيدال، التي كانت تضم حامية عسكرية وتقع في أقصى الشمال الشرقي، قد سقطت في قبضة المتمردين. سرت موجة جديدة من الخوف عبر تمبكتو، وبدأ الناس يحزمون أمتعتهم ليتحركوا جنوبا. وفي صباح ذلك اليوم، قال مدير معهد أحمد بابا، محمد غالا ديكو، لموظفيه السبعين أن يأخذوا معهم إلى البيت قدر ما يستطيعون من معدات المؤسسة المكتبية. إذا سقطت تمبكتو، فعلى الأقل لن تنهب أجهزة الكمبيوتر، والكاميرات، ومحركات الأقراص الصلبة. البعض، مثل الباحث، القاضي معيجا، لم ينزعج؛ فقد كانت كيدال بلدة نائية في منطقة صراعات؛ موقع أمامي أكثر عرضة للخطر من تمبكتو ذات الشهرة العالمية.
وقال أشخاص آخرون إن المدينة كانت بالفعل محاصرة.
في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم، وبينما كانت الشمس تغرب، انطلق ركب صغير من سيارات الدفع الرباعي من تمبكتو، متجها شرقا بمحاذاة النهر نحو الصحراء. كانت قد ذاعت بين الميليشيا العربية أنباء بأن متمردي الحركة الوطنية لتحرير أزواد كانوا يريدون عقد اجتماع معهم، ومن ثم اختير وفد من شيوخ المدينة، إلى جانب عدد من المقاتلين من قوة دلتا. كان من بين المندوبين الأربعة قادر خليل، الذي كان رجلا في الخامسة والستين من عمره ذا وجه طويل كوجه لي مارفن وصوت خشن، وآراء مفعمة بالحيوية عادة ما كانت تسمع في راديو بوكتو، المحطة الإذاعية المحلية التي كان يديرها من مقصورة من الطوب خلف مكتب رئيس البلدية.
بينما كانت السيارات تقفز على الطريق الوعر، كان خليل يشعر بتعاسة شديدة. كان منهكا وخائفا، وكانت قرح معدته تتعاظم، وظن أنه هو ورفاقه من أهل تمبكتو كانوا يقتادون إلى فخ، ولكن لم يكن لديهم خيار: إذا أراد الناس منك أن تفعل شيئا، فلا يمكنك أن ترفض.
في السابعة والنصف مساء، توقفوا في قرية بر لينتظروا تعليمات المتمردين، واتصل خليل بزوجته ليخبرها أنه لن يكون في البيت لتناول العشاء. وقال لها: «ربما تكون هذه هي آخر مرة تسمعين فيها صوتي.»
كان الوقت قد قارب منتصف الليل عندما عاد الركب الصغير من سيارات الدفع الرباعي إلى الانطلاق مجددا، وهذه المرة متجها صوب جهة الشمال الشرقي. وعلى بعد ستة أميال من قرية بر، رن الهاتف المحمول لقائد الميليشيا وأصغى خليل بتشكك إلى نبرة الحديث. هل كان مهذبا أكثر من اللازم، وحريصا للغاية على إرضاء محدثه؟ قال رجل الميليشيا عندما انتهت المكالمة إنهم لا بد أن يطفئوا أنوارهم، حتى لا ينكشف موقع معسكر المتمردين. تابعت السيارات سيرها مطفأة الأنوار مسافة ثلاثة أميال أخرى، وتوقفت في منطقة رمال ناعمة، وحشائش صحراوية، وأشواك سنط.
ترجل الرجال من السيارات، وهم يطئون الأرض المظلمة بحرص. جاءت نقاط الضوء الوحيدة من إشعال سيجارة أو عود ثقاب، لكن حتى في العتمة كان بوسع خليل المكتئب أن يتبين عددا كبيرا من الرجال المسلحين ، وبنادقهم الكلاشينكوف التي كانت في كل مكان وعمائمهم الثقيلة، وشاحنات صغيرة رابضة تحت شبكات تمويه أو متوارية عن الأنظار بالأشجار الصحراوية المنخفضة.
اقتيدوا صعودا على كثيب إلى موضع كان قد بسط فيه بساط. وبعد برهة، اقتربت مجموعة، يقودها رجل شاحب الوجه من الطوارق في العقد السادس من عمره وعلى وجهه مسحة من شارب أسود. كان هذا الرجل هو محمد آغ ناجم، وهو عقيد سابق في الجيش الليبي وكان حينئذ قائد أركان جيش الحركة الوطنية لتحرير أزواد. تكلم بالعربية، التي ترجمها قائد ميليشيا تمبكتو إلى الفرنسية.
قال ناجم: «مرحبا.» وأضاف: «رجاء، اعتبروا أنفسكم في بيتكم.»
في وجود الرمال والسيارات والسماء المفتوحة، وهمهمة الحديث، وصوت طائر في الصحراء، شعر المندوبون وكأنهم في موقع تصوير فيلم سينمائي.
صفحة غير معروفة