في عام 1788، لم تكن الملاريا ولا الناقل الحشري لها مفهومين: كان المرض يعزى إلى الهواء الفاسد، أو «الميازما». ومع أن لحاء شجرة الكينا كان علاجا معروفا، فلم يكن يستخدم بطريقة فعالة ولم تستخلص منه مادة الكينين حتى عام 1820. كان سكان غرب أفريقيا يمتلكون على الأقل بعض المقاومة نتيجة لتعرضهم للمرض في الطفولة؛ أما الأوروبيون فلم يكن لديهم أي مقاومة له.
كحال مستكشفيهم، لم يكن أعضاء الرابطة الأفريقية الوليدة في لندن إلى حد كبير على دراية بهذه الأخطار. كان مكوث جيمس بروس المؤقت في إثيوبيا قد أثبت أن الترحال إلى أفريقيا لم يكن من اللازم أن يكون مميتا، بينما كان كوك وآخرون قد أظهروا أن العالم كان منفتحا أمام النوع الصحيح من الاستكشاف الحذر: فلماذا يجب أن يكون الترحال في أفريقيا أصعب من، مثلا، الإبحار في الحيد المرجاني العظيم؟ لرجل ذي شخصية من النوع الصحيح، وذي تكوين مناسب، وينعم بالإيمان والحظ الجيد، كان أي شيء ممكنا بالتأكيد.
لم يكن ينقصهم المتطوعون. ففي غضون أيام من اجتماعهم الأول، كان أعضاء مجلس الرابطة الأفريقية قد عثروا على متطوعين اثنين مناسبين للغاية.
كان سيمون لوكاس، ابن تاجر الخمور اللندني، قد أرسل إلى قادس وهو صبي ليتعلم مهنته، لكنه تعرض للأسر على يد عصابة من قراصنة البربر، تسمى قراصنة سلا، والتي باعته عبدا للبلاط الإمبراطوري للمغرب. وظل هناك مدة ثلاثة أعوام، وبعد إطلاق سراحه عاد ليعمل دبلوماسيا بريطانيا لمدة ستة عشر عاما، قبل أن يعود أخيرا في عام 1785 إلى إنجلترا، حيث عين ترجمانا شرقيا في بلاط سانت جيمس. وعرض خدماته على الرابطة الأفريقية بشرط أن يحصل له مجلس الرابطة على إجازة مدفوعة الأجر طوال مدة مهمته.
كان لوكاس مريضا في يونيو من عام 1788؛ لذا أصبحت الانطلاقة الأولى على عاتق متطوع الرابطة الثاني، الأمريكي جون ليديارد البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاما. كان ليديارد هو الآخر ذا مؤهلات عالية، وإن كان بطريقة مختلفة جدا. يبدو أن كل من التقى بهذا الرجل ذي البنية الجسدية الرائعة كان ينبهر بنظرته الثابتة وطلعته البهية. كان، حسبما أورد بوفوي، «رجلا غير عادي»، والذي «بدا أنه شعر منذ شبابه برغبة لا تقهر في أن يطلع على المجهول، أو على أقاليم العالم غير المكتشفة على نحو كامل.»
كان ليديارد قد نشأ في هارتفورد، بولاية كونيتيكت، وأظهر ولعا مبكرا بالمغامرة بالهروب من كلية دارتموث حديثة التأسيس والتجديف بزورق كانو طوله أربعين قدما مسافة 150 ميلا في نهر كونيتيكت. بعد ذلك ترك دارتموث بلا رجعة، وانضم إلى تاجر يتاجر عبر المحيط الأطلنطي الذي أخذه معه إلى أوروبا، حيث عمل بحارا، في عام 1775، من أجل أن يحظى بفرصة تقديم نفسه للقبطان كوك. أخذ كوك ليديارد معه في رحلته الثالثة والأخيرة، والتي أثناءها، حسبما يزعم أحيانا، أصبح ليديارد أول حالة موثقة لأمريكي أوروبي يضع وشما. وبعد عودته، ترك البحرية الملكية لكيلا يقاتل بلده في صفوفها، واستقر ليكتب كتابا يسرد فيه رحلة الإبحار حول العالم وأصبح هذا الكتاب من الكتب الأكثر مبيعا.
في منتصف ثمانينيات القرن الثامن عشر عاش في باريس، حيث عقد صداقة مع جون بول جونز وتوماس جيفرسون. وكشأن الجميع، انبهر توماس جيفرسون، الذي كان في ذلك الوقت سفير الولايات المتحدة في فرنسا، بشخصية ليديارد، وكتب جيفرسون أنه كان «رجلا ذا عبقرية، وبعض المعرفة العلمية، وشجاعة وإقدام لا يعرفان الخوف.» واقترح على ليديارد أن يحاول العثور على طريق بري من أوروبا إلى الأمريكتين عبر سانت بطرسبرج، وكامشاتكا، وخليج نوتكا، وأشرك صديقه جوزيف بانكس بصفته ممولا. انطلق المستكشف نحو قفار سيبيريا ووصل إلى ياكوتسك قبل أن يقبض عليه باعتباره جاسوسا، بأوامر من الإمبراطورة كاترين العظيمة. وجرى ترحيله، بعد أن دفع ثمن مروره إلى لندن بشيك مسحوب على اسم بانكس، ووصل لمنزل رئيس الجمعية الملكية في لندن في يونيو من عام 1788، مرتديا أسمالا بالية. كان توقيت ذلك ممتازا. على الفور اقترح بانكس «مغامرة تكاد تضاهي في خطورتها تلك التي كان قد عاد منها»، في أفريقيا. كان ليديارد المفلس مستعدا، وبعث بانكس بمتطوعه المحتمل إلى بوفوي من أجل الحصول على رأي ثان. وغني عن القول أن ليديارد حاز قبوله، إذ كتب يقول:
أذهلني ما يتمتع به من رجولة، وصدر عريض، وطلعة بهية، وعينين لا تهدآن. بسطت خريطة أفريقيا أمامه، وقلت له، وأنا أرسم خطا من القاهرة إلى سنار، ومن هناك غربا في خط العرض والاتجاه المفترض إلى نهر النيجر ، أن ذلك هو الطريق، الذي كنت أتوق إلى أن تستكشف أفريقيا عبره، إن أمكن ذلك. فقال إنه يعتبر نفسه محظوظا على نحو استثنائي أن تعهد إليه هذه المغامرة.
ربما كان من شأن متعهد آخر للاستكشاف، في عصر آخر، أن يسأل إن كان الرحالة، الذي كان قد عاد حالا في أسمال بالية من رحلة دامت عامين، وقطع فيها 7000 ميل، مستعدا لمهمة من شأنها، إن سار كل شيء على ما يرام، أن تدوم ثلاثة أعوام أخرى. كان مطلوبا من ليديارد أن يسافر من مرسيليا إلى القاهرة، ومكة، ثم إلى النوبة، وأن يعبر الصحراء بطولها، وأن يعثر على نهر النيجر، وأن يشق طريقه عائدا. كان هذا يعني أن يقطع على الأقل 12500 ميل، معظمها برا، عبر بعض من أكثر المناطق عدائية على وجه الأرض. لكن بوفوي لم يساوره أي تردد. وسأل المرشح للقيام بالرحلة: متى سيكون بوسعه أن ينطلق في رحلته؟
أجاب ليديارد: «صباح الغد.»
صفحة غير معروفة