المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
محقق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
رقم الإصدار
الأولى - 1422 هـ
بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم، وذلك معطوف على قوله وإذ جعلنا، كأنه قال: وإذ اتخذوا، وقيل هو معطوف على جعلنا دون تقدير إذ، فهي جملة واحدة، وعلى تقدير إذ فهي جملتان.
واختلف في مقام إبراهيم، فقال ابن عباس وقتادة وغيرهما، وخرجه البخاري: إنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه.
وقال الربيع بن أنس: هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب، جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه، وقال فريق من العلماء: المقام المسجد الحرام، وقال عطاء بن أبي رباح : المقام عرفة والمزدلفة والجمار، وقال ابن عباس: مقامه مواقف الحج كلها، وقال مجاهد:
مقامه الحرم كله.
ومصلى موضع صلاة، هذا على قول من قال: المقام الحجر، ومن قال بغيره قال مصلى مدعى، على أصل الصلاة.
وقوله تعالى: وعهدنا العهد في اللغة على أقسام، هذا منها الوصية بمعنى الأمر، وأن في موضع نصب على تقدير بأن وحذف الخافض، قال سيبويه: إنها بمعنى أي مفسرة، فلا موضع لها من الإعراب، وطهرا قيل معناه ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة، فيجيء مثل قوله: أسس على التقوى [التوبة: 108] وقال مجاهد: هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان، وقيل: من الفرث والدم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لا تعضده الأخبار، وقيل: من الشرك، وأضاف الله البيت إلى نفسه تشريفا للبيت، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك، وللطائفين ظاهره أهل الطواف، وقاله عطاء وغيره، وقال ابن جبير: معناه للغرباء الطارئين على مكة، والعاكفين قال ابن جبير: هم أهل البلد المقيمون، وقال عطاء: هم المجاورون بمكة، وقال ابن عباس: المصلون، وقال غيره: المعتكفون.
قال القاضي أبو محمد: والعكوف في اللغة اللزوم للشيء والإقامة عليه، كما قال الشاعر [العجاج] :
[الرجز] عكف النبيط يلعبون الفنزجا فمعناه لملازمي البيت إرادة وجه الله العظيم، والركع السجود المصلون، وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى، وكل مقيم عند بيت الله إرادة ذات الله فلا يخلو من إحدى هذه الرتب الثلاث، إما أن يكون في صلاة أو في طواف فإن كان في شغل من دنياه فحال العكوف على مجاورة البيت لا يفارقه.
وقوله تعالى: وإذ قال إبراهيم الآية، دعا إبراهيم عليه السلام لذريته وغيرهم بمكة بالأمن ورغد
صفحة ٢٠٨