وزاد الصوفية ثورة على إقبال أنه عمد إلى إمام من أئمتهم، وشاعر من أعاظم شعرائهم، «لسان الغيب حافظ الشيرازي»، فحط من شأنه، وغض من طريقته، ونهى الناس عنه وحذرهم منه. كتب في مقدمة المنظومة أبياتا في حافظ خلاصتها:
احذر حافظا أسير الصهباء، فإن في كأسه سم الفناء، ليس في سوقه إلا المدامة، وقد شعث كأسان على رأسه العمامة. ذلكم فقيه ملة المدمنين، وإمام أمة المساكين. شاة علمت الغناء، والدلال والفتنة العمياء. هو أزكى من شاة اليونان، ونغمة عوده حجاب الأذهان. فر من كأسه فإن فيها لأهل الفطن خدرا كحشيش أصحاب الحسن.
10
وحذف إقبال هذه الأبيات بعد الطبعة الأولى ووضع مكانها فصلا عنوانه: «إصلاح الآداب الإسلامية»، بين فيه المعنى الذي قصد إليه حين حذر من طريقة حافظ وشعره ولم يذكر حافظا. فبلغ ما أراد، وكفى نفسه عداء المعجبين بحافظ المتعصبين له.
نبذ من رسائل إقبال إلى المعترضين
وأنقل نبذا من رسائل إقبال إلى المعترضين، ورده على مآخذهم وشبهاتهم. لعل القارئ يجد في هذه النبذ إيضاحا لآراء إقبال في التصوف، وتمييزه بين نوعين منه: التصوف الإسلامي والتصوف العجمي، والتفريق كذلك بين التوحيد ووحدة الوجود، ولعله يجد فيه تفسيرا لما غمض على الناظرين من فلسفته، وأجعل هذا تمهيدا للكلام في فلسفة إقبال عامة، وآرائه في «أسرار خودي» خاصة.
قال في رسالة السيد حسن نظامي مكتوبة في الثلاثين من كانون الأول سنة 1915:
إني بفطرتي وتربيتي أنزع إلى التصوف. وقد زادتني فلسفة أوروبا نزوعا إليه، فإن فلسفة أوروبا في جملتها تتوجه إلى وحدة الوجود، ولكن تدبر القرآن المجيد، ومطالعة تاريخ الإسلام بإمعان أشعراني بغلطي، ومن أجل القرآن عدلت عن أفكاري الأولى، وجاهدت ميلي الفطري، وحدت عن طريق آبائي.
إن الرهبانية ظهرت في كل أمة، وعملت لإبطال الشريعة والقانون. والإسلام في حقيقته هو دعوة إلى استنكار هذه الرهبانية. والتصوف الذي ظهر بين المسلمين - أعني التصوف الإيراني - أخذ من رهبانية كل أمة وجهد أن يجذب إليه كل نحلة، حتى القرمطية التي قصدت إلى التحلل من الأحكام الشرعية لم تعدم نصيرا من الصوفية.
إن اعتراضك، حتى اليوم، لم يعد مقدمة أسرار خودي. فلم يتناول المنظومة نفسها، وكيف أعمل قلمي، ولست أدري ما اعتراضك عليها؟ كيف أعمل قلمي في هذا الصدر؟ إنما اعترضت على ما حسبته غضا من قدر حافظ الشيرازي. ولن يستبين الحق في هذا الأمر حتى يوفى البحث حقه ...
صفحة غير معروفة