وهذا التصور للشخصية يقوم معيارا لقيم الأشياء، أعني أن في ذاتنا معيار الحسن والقبح. وبهذه تحل مسألة الخير والشر، فما يقوي الذات خير، وما يضعفها شر. ويجب أن يقوم الدين والأخلاق والفنون بهذا المعيار.
واعتراضي على أفلاطون هو في أصله اعتراض على كل النظم الفلسفية التي تقصد إلى الفناء لا البقاء، والتي تغفل المادة، وهي أكبر العقبات في سبيل الحياة، وتدعو إلى الفرار منها لا إلى تسخيرها والتسلط عليها.
وكما تعرض مسألة المادة في مبحث حرية الذات، تعرض مسألة الزمان في مبحث خلودها.
يقول برجسون: إن الزمان ليس خطا ممتدا إلى غير نهاية يحتم علينا المرور به. فهذا التصور للزمان غير صحيح، فالزمان الخالص لا يدخل فيه تصور الطول، أي لا نستطيع قياسه بمقياس الليل والنهار.
إن خلود الذات أمل، من أراد أن يظفر به فليجد ويدأب لبلوغه. والظفر به موقوف على أن نسلك طريقا للفكر والعمل في هذه الحياة يعيننا على حفظ حالة التوتر. ولا يستطيع إبلاغنا هذا الأمل دين بوذا والتصوف العجمي، وما إلى هذين من نظم الأخلاق الأخرى. لقد أضرت بنا هذه الطرق فأضرعتنا وأنامتنا. إن هذه المذاهب هي الليالي في أيام حياتنا.
وإن قصدنا بأفكارنا وأعمالنا إلى حفظ حالة التوتر في ذواتنا، فأغلب الظن أن صدمة الموت لا تستطيع أن تؤثر فيها. تعرض بعد الموت حال من الاسترخاء يسميها القرآن الحكيم البرزخ. وتدوم هذه الحال حتى الحشر. ولا تبقى بعد هذا الاسترخاء إلا النفوس التي أحكمت ذواتها أيام الحياة.
إن الحياة في ترقيها تنفر من التكرار كل النفور، ومع هذا يقول الأستاذ ولدن كار
9
بناء على القواعد التي وضعها برجسون: إن حشر الأجساد معقول أيضا.
إننا نقسم الزمان إلى لمحات، فندخل فيه مفهوم المكان، فيصعب علينا تسخيره. وإنما نستطيع إدراك معنى الزمان إدراكا صحيحا حينما ننظر في أعماق ذواتنا. إن الزمان الحقيقي هو اسم آخر للحياة، وإن الحياة تستطيع المحافظة على حالة التوتر التي حافظت عليها حتى الساعة. ولن نخلص من عبودية الزمان ما دمنا نعده أمرا مكانيا.
صفحة غير معروفة