وقرت نفس حرة لا يحدها زمان ولا مكان، ولا يأسرها ماض ولا حاضر. فهي طليقة بين الأزل والأبد، خفاقة في ملكوت الله الذي لا يحد.
مات محمد إقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر أجمعين، الرجل الذي يخيل إلي - وأنا في نشوة شعره - أنه أعظم من أن يموت وأكبر من أن يناله حتى هذا الفناء الجثماني.
فاضت روح الرجل الكبير المحبوب في داره بلاهور، ورأسه في حجر خادمه القديم علي بخش، وهو يقول: إني لا أرهب الموت، أنا مسلم، أستقبل المنية راضيا مسرورا.
قرأت كلام إقبال في الحياة والموت، ورأيت استهانته بالحمام واستهزاءه بالذين يرهبونه. ما كان هذا خدعة الخيال ولا زخرف الشعر؛ فقد صدق إقبال دعوته في نفسه حين لقي الموت باسما راضيا.
جد المرض بإقبال وكان يقترب إلى الموت وهو متقد الفكر قوي القلب، يصوغ عقله كلمات يوقظ بها النفوس النائمة، وينثر قلبه شررا يشعل به القلوب الخامدة. وكان في شغل بنظم ديوانه الأخير «أرمغان حجاز»؛ هدية الحجاز، وكان قلب الشاعر يهفو إلى الحجاز. وكم تمنى أن يموت فيه. وقد ضمن هذه الأمنية دعاءه في كتابه رموز بي خودي.
ومما قال في أشهره الأخيرة:
آية المؤمن أن يلقى الردى
باسم الثغر سرورا ورضى
وقد أنشد هذين البيتين - وهما مما أنشأ أخيرا - قبل الموت بعشر دقائق وترجمتهما:
نغمات مضين لي هل تعود
صفحة غير معروفة