وعاد إبراهيم من هناك إلى المورة، فجعلها قاعا بلقعا، وسبى كثيرا من أهلها، لا سيما النساء والأطفال، وأرسلهم إلى مصر، حيث ملأت الرقيقات الروميات دور الحريم، وملأ الغلمان الأروام عرصات القصور، وكان ذلك من حسن حظهم! لأن كثيرين من باشاواتنا اليوم - وليس من أقلهم شأنا، ولا أحطهم قدرا - ما هم إلا سلالة أولئك الغلمان الأروام، بعد أن اعتنقوا الإسلام ، وتعلموا تعاليمه وتشربوا بمبادئه.
فأثارت أعمال إبراهيم عواطف محبي اليونانية من أهل الأدب والعلم في أوربا؛ لأنهم كانوا يعتقدون - وهم بالأسف لا يزالون يعتقدون، حتى يومنا هذا، وفي مقدمتهم المستر لويد جورج، كبير وزراء بريطانيا العظمى السابق - أن يونان اليوم هم أولاد هوميرس وأزيودس وبندارس، وصولون وليكرجس وپريكلس، وهيرودتس، وملسياد وتمستكل وأشيل وسوفوكليس وأوربيد وتوسيديد وكزينوفون وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس، وديموستين، وأبل، وفيدياس وأرستوفان وهبوقراط وإقليديس وغيرهم من منشئي المدنية اليونانية القديمة، إحدى والدتي المدنية الغربية الحديثة، وأبهر الاثنين جمالا وجلالا، فما فتئوا ولما يفتأوا يعطفون عليهم، مع أن نسبة يونان اليوم إلى أولئك الأفاضل الأعاظم كنسبة إغريق الإمبراطورية البيزنطية إلى رومان عصر هنيبال، أو كنيسة الأجلاف الضاربين في شبه جزيرة سيناء اليوم، إلى القبائل العربية الشهمة التي مزقت مملكة الأكاسرة وإمبراطورية القياصرة، تحت قيادة خالد بن الوليد والمثنى، وأبي عبيدة الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص.
فتحالفت إنجلترا وفرنسا وروسيا على وضع حد للحرب القائمة بين الدولة العثمانية واليونان، وأتت أساطيلها ورست في مياه نافارين بجانب العمارة العثمانية المصرية، فصدم قارب بريطاني حراقة تركية إما عمدا وإما صدفة، فأمر القارب الحراقة بالابتعاد فأبت، فحاول من في القارب الوثوب إلى سطحها، فأطلقت الحراقة عليهم رصاصة فما كان من الفرقاطة الإنجليزية التابع القارب لها إلا أنها أمطرت الحراقة صيبا من الرصاص.
فلما رأت سفينة حربية تركية ذلك أطلقت مدفعا، فأصاب السيرين
Syrène - مركب أمير البحر الفرنساوي - فأجابت السيرين بإطلاق جميع مدافع أحد جنبيها، فدارت رحى القتال عامة، وأسفرت بعد أربع ساعات عن تدمير العمارتين العثمانية والمصرية.
وكان ذلك بدون سابقة إعلان حرب، وبينما كانت العلاقات سلمية بين تلك الدول الثلاث وتركيا ومصر.
ويروى عن محمد علي أنه لما بلغه النبأ المزعج - نبأ تحطيم عمارته - قال بشخوص نظر ملئه الأسف العميق: «إني لا أدري كيف صوب الفرنساويون مدافعهم على سفنهم!» إيماء إلى ما كان يربط إمارة مصر بفرنسا من روابط الوداد المتين، وإلى أن المصالح الفرنساوية والمصالح المصرية، في البحر الأبيض المتوسط كانت واحدة. •••
فقضى دمار العمارة المصرية على إبراهيم باشا بانقطاع كل مدد عنه، حتى إمداد الطعام والمؤن.
وفي 30 أغسطس سنة 1828 نزل جيش فرنساوي مؤلف مما يزيد على 15 ألف مقاتل، تحت قيادة الجنرال ميزون إلى خليج كورون لمساعدة اليونان، فرأى محمد علي نفسه مضطرا إلى استدعاء ابنه.
فعقد مع الأميرال كودرنجتن، أمير القوات البحرية الإنجليزية، اتفاقا قضى بجلاء الجنود المصرية عن المورة ورجوعهم إلى مصر!
صفحة غير معروفة