تحدث القائد الأعظم بهذه الأقوال أو كتبها خلال أربعين سنة من عنفوان صباه إلى أن علت به السن وجاوز السبعين، فلم تختلف في واحدة منها تلك المزية التي تكبره وترفعه للناس مثلا بين زعماء السياسة وقادة الشعوب ... وهي مزية الصدق الصريح، بل مزية الصدق البسيط الواضح الذي لا يشوبه مرة واحدة تزويق أو تنميق.
كل ما قرأته له من تلك البيانات التي جاوزت المائتين صالح لأن يقال أمام هيئة علمية محققة، أو أمام هيئة قضائية بعد حلف اليمين.
وعد في حدود الإمكان والنفاذ، وصدق تتساوى فيه الروية والارتجال، وخطاب للجماهير يصارحهم فيه بعيوبهم أحيانا، ولا يتملقهم حينا واحدا بقول لا يقوله بينه وبين نفسه على انفراد.
إن هذا الرجل عجيب ... إن هذا الرجل عظيم ...
وأدعى إلى العجب منه والإيمان بعظمته أنه نشأ على مذهب الإسماعيلية المعتدلين، ومذهبهم يبيح للمعلم أن يصطنع التقية، وأن يخاطب الناس على درجات في الفهم والإقناع، ولكن الرجل لم يتقيد بهذا المذهب في هذه الخصلة، ولا في غيرها من الخصال، ولم يفارق سجيته التي فطر ودرج عليها ومات عليها، شبابه فيها وشيخوخته سواء.
موقفه من الطلبة والعمال
كان الزعماء جميعا يخطبون ود الطلبة الذين يتعلمون في البلاد الإنجليزية، ويعلمون أنهم عماد المستقبل، وأن من يكسبهم في حاضرهم يكسب الجيل المقبل في السياسة وفي القيادة الشعبية، ولكنه كان يؤمن بأن الطالب يحق له الاهتمام بأمراض قومه، ولكنه لا يحق له أن يتصدى لمعالجتها، ولما دعي لمخاطبتهم في سنة 1913 قال لهم وكان يومئذ في مقتبل حياته السياسية:
إن موقف الطلبة في هذا البلد فرد بغير نظير؛ لأنهم نموذج مختار من صفوة أبناء الأمة الهندية، وخيرة من تستطيع إخراجهم وتربيتهم، إنهم هنا الأمناء على سمعة بلادهم، ويسوءني أن أقول: إنهم في الوقت الحاضر من حيث العلاقة بالمجتمع البريطاني لا يظفرون بسمعة حسنة ولا بسيرة طيبة، فهم بدلا من سلوك مسلك الطلبة في التعلم والانتفاع بأفضل ما في الحضارة البريطانية التي لم يكسبها القوم إلا بعد رياضة العصور المتعاقبة يغفلون هذا الواجب ويقصرون حياتهم العامة على التراشق بالعبارات النابية في خصومات السياسة، دعوني أذكركم أنكم لم تدركوا بعد مرتبة الكفاية لتناول المسائل السياسية التي تتمثل في بلادكم، وما من أحد يقدر غيرتكم فوق قدري لها، ويفهم الأسباب التي حملتكم على ما تصنعون خيرا مما أفهمها، ولكن الوقت قد حان لإعادة النظر في موقفكم بعين الجد والسداد ... وتسألونني ما هو المطلب الذي يراد من جماعتنا، فاعلموا أننا في دور الاستعداد لتنشئة الأحوال التي تمتد بها نظرتنا القومية إلى نطاق أوسع وأكمل، واعلموا أن الرجال الذين يساهمون اليوم بالنصيب الأوفى في السياسة الهندية هم أناس تعلموا في إنجلترا وعادوا إلى بلادنا لخدمتها، فاختلطوا بالبيئات الإنجليزية واتخذوا الأصحاب منها، وليكن واجبكم الأول قبل هذا أن تلتقوا أبناء وطنكم وتعرفوهم حق معرفتهم، فإن مقامكم بإنجلترا هو الفرصة التي تجمعكم بغيركم من أبناء الهند الذين ينتمون إلى جميع أقطارها.
وخاطب الطلاب في كلية عليجرة الهندية؛ وقد مضى أربعون سنة على ذلك الخطاب في إنجلترا فقال:
اجتهدوا أولا في رياضة أنفسكم على الشعور بالتبعة والواجب، وليكن همكم بناء أخلاقكم فهو خير من الشهادات والإجازات، إن العناء في تحصيل الشهادات والإجازات بغير خلق ضائع، وعليكم أن تربوا في أنفسكم روح الكرامة والاستقامة والقيام بما هو مفروض عليكم، وما نحن دون غيرنا من الأمم مقدار ذرة، وإنما كانت آفتنا من إهمالنا لهذه الصفات ونحن قادرون عليها، وصدقوني عن يقين: إن الباكستان لكم خالصة يوم تتمكن هذه الصفات منكم.
صفحة غير معروفة