قال: «لا! بل أنا مع قراءتي بالليل لا أجد الوقت كافيا لمطالعة الكتب التي أريد الاطلاع عليها، وأحسب أنني لن أصبح شيئا مذكورا في الدنيا بغير القراءة.»
قالت: «وإلى متى تريد أن تواصل السهر؟ ألعلك تنوي أن تسهر إلى الصباح؟»
قال: «كلا ياسيدتي! ... إنما هي ساعة أخرى ثم أنام.» •••
إن هذه القصة جديرة بطفولة جناح، ومنها نعلم أصالة الكياسة والأدب في طبعه، ونعرف ما وراء عارضته القوية التي كانت تسعفه في الاستشهاد بالكلمة الملائمة لساعتها، والتي كانت تمده بالقدرة على التعبير بغير تلجلج ولا انحراف عن الهدف السريع حيث كان.
إن وراء تلك العارضة القوية محصولا غزيرا من المطالعة والاستظهار، ووراء الرجولة التي اشتهرت بالكياسة إلى أخريات أيام الشيخوخة، طفولة شبت على الكياسة الأصيلة في الطباع: كياسة المبالاة الحقة بشعور الآخرين والحرص الشديد من الإيذاء والإساءة، لا مجرد الكياسة في الزي والحركة والإشارة، وهي على الأبعد الأقصى كياسة ثياب.
وما يعلم من أخبار تعليمه في شبابه يعزز هذا النزر اليسير الذي روي عن طفولته الباكرة، سواء في أدب الاطلاع أو أدب الاجتماع.
حياته العامة
محمد علي جناح في شبابه.
المرحلة الأولى
تعددت نظم التربية التي تفتح عليها ذهن جناح الصغير قبل حصوله على إجازة التعليم الثانوي في السادسة عشرة من عمره.
صفحة غير معروفة